16 سبتمبر 2025

تسجيل

المسلمون وحدهم بلا سند

05 مارس 2014

كلما أثرت موضوع وحدة المسلمين وضرورة تضامنهم تنهال علي البراهين المضادة ذاتها كأنها اللوح المحفوظ أو الأسطوانة المشروخة المكررة، وهي كالتالي: "ليس موضوع الخلافة اليوم هو المطروح، بل المهم طرح قضايا التشغيل وجلب السياح والاستثمار والأهم بسط الأمن"، وهي حجج واهية مرفوضة إذا ما رأينا اليوم وفي شهر فبراير (فيفري) 2014 مذابح حقيقية يروح ضحيتها آلاف الأفارقة المسلمين في جمهورية إفريقيا الوسطى، يحرقون أحياء وتدمر بيوتهم وتستحيى نساؤهم ويشتت أطفالهم، بل ويأكل الصليبيون الجدد لحمهم بمرأى ومسمع من الرأي العام العالمي الأصم، لأنه لا عزاء للمسلمين وليس لهم من سند فاعل مؤثر إلا رحمة الله رب العالمين، ثم إن الاستخراب بأشكاله الجديدة أجبر المسلمين على الانشغال بالصراعات الداخلية والحروب الأهلية، كما يحدث اليوم في دمشق عاصمة الأمويين وفي بغداد عاصمة العباسيين وأخيرا الأسبوع الماضي في إسطنبول، حيث دبرت المخابرات الغربية مؤامرة التسجيل المصطنع بين أردوغان ونجله لإشعال فتيل الفتنة المبرمجة بين الشعب التركي وزعمائه الإسلاميين.الحقيقة التي تغيب عن أذهان الناس عن حسن نية هي أن لمعتنقي الأديان السماوية وغير السماوية دولا أسسوها على قواعد العقيدة لا على قوانين الأوطان واعتراف منظمة الأمم المتحدة بها، أي أن المسيحية واليهودية وكذا البوذية والكنفوشية لها جميعا خلافات ما عدا خلافة الإسلام. فخذ مثلا مصرع المصريين المسيحيين السبعة في ليبيا منذ أسبوع، ولأنهم مسيحيون تحركت دولة الفاتيكان (وهي دولة خلافة المسيحيين) لتناصر الضحايا وأهليهم وتطالب بفتح التحقيق والإسراع في الكشف عن القتلة وكذلك فعل بابا الأقباط المصريين وفعلت الكنيسة الأرثوذكسية العالمية وهذه ردود فعل طبيعية من مؤسسات دينية تعتبر كل ضحية مسيحية من رعاياها أينما كان مكانها وتسخر لها الإمكانات وتعبئ لها الإعلام والمال لنصرتها وجلب تعاطف العالم معها. وانظر كذلك في أمر الدولة اليهودية، دولة إسرائيل، التي تعتبر كل يهودي من رعاياها من ضمن المحميين بجيشها وموسادها ولوبيات الصهيونية الدولية مهما كان مكانه وأيا كانت درجة تدينه، فالدولة العبرية دولة دينية تحمي يهود العالم من بروكلين إلى الفالاشا في أثيوبيا، إلى يهود اليمن وجزيرة جربة وهي التي فدت أحد أسراها بألف سجين فلسطيني منذ سنتين. هاتان دولتان، الأولى تتولى شؤون المسيحيين جميعا في العالم والثانية تقوم بمصالح اليهود جميعا في العالم دون النظر إلى أصل الجنسية الوطنية للمسيحي أو اليهودي، فالذي يعطي الحق لهاتين الدولتين للتدخل من أجل حماية رعاياها هو الرباط العقدي (أي المؤسس على العقيدة) ولا يهم أن يكون الشخص أستراليا أو مصريا أو كينيا، لأنه حسب عقيدته الدينية راجع بالنظر إلى هذه الدولة أو تلك. الغريب العجيب أن المسلمين هم أول من أسس دولة الإسلام، ألا وهي دولة الخلافة، ودعموها في كل مراحلها التاريخية وهي التي رعت شؤون المسلمين وصانت حياتهم على مدى أجيال وامتد عمر الخلافة مع اختلاف أشكالها وعواصمها منذ دولة المدينة التي انطلق منها الرسول العظيم برسالة التوحيد والوحدة إلى سنة 1924 تاريخ سقوط الخلافة على أيدي استخراب بريطاني فرنسي تمكن من أراضي المسلمين ومن ثرواتهم ثم تسلل إلى عقولهم فاستلبها، حتى أننا نحن العرب المسلمين الذين سمينا هذا الاستخراب بالاستعمار (بمعنى أنه جاء يعمر لا يخرب) وقلدنا الغرب الصليبي في لغته ولباسه ومأكله ومشربه وعاداته وأساليب حياته وكان رواد الحركات الوطنية التحريرية في البلدان العربية المسلمة لا يرون العالم إلا بعيون الغرب وكان بورقيبة يؤمن عن حسن نية بأن تونس سوف تلتحق بركب التقدم، أي أننا سوف نكون صورة أمينة لفرنسا مستنسخة من حضارتها، ونسج على منوال بورقيبة أغلب الزعماء، فجاءت حداثتنا من نوع الحداثة الدخيلة ولم ندرك أن الحداثة أصيلة أو لا تكون. قلت إن الغريب العجيب أن نكون نحن رواد وحدة الأمة ثم نتخلى عن الرباط العقدي، بل أدهى وأمر أن نتحول إلى أعداء لأي فكرة تدعو للوحدة الإسلامية ونصنف المنادين بالوحدة في خانة المتطرفين وأحيانا الإرهابيين! ونتذكر كيف أن السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأولى بعد الثورة في تونس نطق بعبارة الخلافة السادسة التي تسعى حركة النهضة لإقامتها في تونس فانهالت عليه شتائم الجهلة بالتاريخ وأيتام الهوية ومنزوعي الدسم الحضاري، حتى أن الرجل اعتذر عن جرأته في استعمال كلمة الخلافة المحرمة في قاموس اليسار المنبت والمدانة في منطق أولياء نعمته في عواصم الغرب. وهكذا دأبت النهضة منذ أن حازت قلة الناخبين على مجاراة ما تعتقد أنه نبض الشارع، فتخلت تدريجيا عن أغلب مرتكزاتها الفكرية وحاولت مجاراة اليسار الضاغط باللغو الإعلامي والسند الصليبي حتى اكتشفت أن المطلوب إخراجها من الحكم وهي جديرة به رغم بعض الأخطاء والزلات، وتكتشف اليوم أن أعداءها وخصوم الهوية يريدون الانقلاب على الشرعية بلا عبد الفتاح السيسي وبطريقة ناعمة سلسة لا تثير الريبة ولا الشكوك. فهل من عودة للوعي وهل من هبة للضمائر؟