13 سبتمبر 2025
تسجيلالسؤال المتجدد هذه الأيام؛ هل صحيح أن الصحافة ماتت؟ أو على الأقل تحتضر؟ وأن الناس لم يعودوا بحاجتها كما كانوا في السابق؟ وأن على الصحفيين إن كانوا يريدون العيش أن يبحثوا عن مهن أخرى بدلا من الموت جوعا ضحايا للورق والحبر والمطبعة؟ أكرر في كل دورة أقدمها عن فنون الكتابة الصحفية، أن الصحافة فكرة والأفكار لا تموت، وأنها خبر ورأي والناس يحتاجون للأخبار كما يحتاجون للتعبير عن آرائهم دائما وأبدا، ولذلك فالصحافة باقية، حتى وإن تغيرت وسائلها، واختفى الحبر والورق والمطبعة. هناك دائما أفكار جديدة لمعرفة الأخبار والتعبير عن الآراء، وعلينا بالتالي الكف عن القول بأن الصحافة ماتت، وأنها تركت مكانها ومكانتها لوسائل التواصل الاجتماعي. فحتى تلك الوسائل الجديدة لا يمكنها أن تستمر بلا أفكار وأخبار وآراء وبالتالي فهي وجه جديد للصحافة. وفي الدورة الأخيرة التي قدمتها قبل أسبوع تقريبا بتنظيم وضيافة أكاديمية الأدب في رابطة الأدباء الكويتية، اكتشفت أن كثيرين يتفقون معي في الرأي حتى في جيل الشباب الذي لم يعتد على قراءة الصحف الورقية اليومية كما اعتدنا نحن. الدورة كانت بعنوان «كيف تكتب مقالة»، وهالني في البداية العدد الكبير الذي اشترك فيها، حيث اقترب من الخمسين من مختلف الشرائح والفئات وهو عدد كبير بالنسبة للدورات التي أقدمها في فن الصحافة عادة. لكن من الواضح أن السبب يعود للإعداد الجيد للدورة من قبل أكاديمية الأدب والقائمين عليها في رابطة الأدباء، بالإضافة لشغف الناس المتقد بفكرة الصحافة والكتابة، وخصوصا بعد أن أصبح الجميع تقريبا يستطيع أن يمارس المهنة، من منزله، أو بالأحرى من هاتفه الصغير! لكن الخبرة والتدريب هما المحك الحقيقي للصحفي واختبار الجودة بالإضافة الى المعرفة. ولأنها كانت دورتي الأولى عن فن من فنون الكتابة الصحفية تحديدا، بعد توقف غير قصير، انشغلت فيه بتقديم دورات الكتابة الإبداعية، فقد بدأت الدورة بسؤال المتدربين عن آخر مرة لمسوا فيها جريدة ورقية، وعن مصادرهم لمعرفة الأخبار والآراء في حياتهم اليومية. وكما توقعت وتتوقعون أنتم أيضا، كانت النتيجة. نعم.. معظمكم ومعظمهم لم يلمس صحيفة ورقية منذ أربع أو خمس سنوات، وأنهم صاروا يعتمدون الآن على وسائل التواصل الاجتماعي للاطلاع على الأخبار وأيضا قراءة المقالات. وقال أحدهم إنه ما زال مشتركا بإحدى الصحف، والصحيفة تصل إلى الصندوق المثبت بجانب باب بيته في موعدها اليومي المعتاد منذ سنوات طويلة، لكنه للأسف لا يفتح الصندوق إلا بعد أن يمتلئ بالأعداد، فيفرغه ويتخلص مما فيه، ويعود لقراءة الصحف في مواقعها الإلكترونية. وهكذا كلنا تقريبا، ما زلنا نقرأ الصحف، وما زلنا مخلصين للخبر والرأي ولكن الذي تغير هو الوسيلة فقط. أما وسائل التواصل الاجتماعي فعلى الرغم من انتشارها ومجانيتها وسرعتها في التوصيل وكثرتها وتنوعها وقوة أثرها المفترض في توجيه الرأي العام وتكوينه أيضا، ليست سوى صدى للصحافة التقليدية، ذات المصادر الحقيقية، فهي غالبا ما تنقل عنها، أو تستلهم أفكارها، ولذلك لا يمكن أن تكون صحافة مستقلة بذاتها، كما لا يمكن للصحافة التقليدية أن تمضي قدما من دون أن تعتمد على إمكانياتها وسائل التواصل الجديدة في الوصول السريع الى المتلقي. انتهت دورتنا التي استغرقت منا تسع ساعات موزعة على ثلاثة أيام، وتجدد فيها شغفنا القديم لفنون الكتابة الصحفية وتأكدنا أنه لا خوف حقيقيا على الصحافة كفكرة وكمعنى وكهدف أيضا، وما كنا نقرؤه على الورق في السابق وصرنا نقرؤه الآن على الشاشات الصغيرة لهواتفنا، سنقرؤه في الغد عبر وسائل وطرق أخرى بالتأكيد.