16 سبتمبر 2025

تسجيل

الكساسبة وأهل رابعة

05 فبراير 2015

هاج العالم وماج بعد أن أحرق تنظيم الدولة الإسلامية الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً وحوّله في لحظة إلى رماد!.. ولا أريد بهذه البداية أن يظن القارئ أنني أنتقد هذا الاستنكار العالمي للمشاهد المؤلمة لعملية حرق الطيار الأردني، الذي على ما يبدو أن مخرجها قد درس فن الإخراج في هوليوود أو بوليوود لتخرج لنا بهذه الحِرفية التي لم تتبعها داعش في أي لقطات تصوير لمشاهد الإعدام التي تنفذها في ضحايا تختطفهم، وتفشل المفاوضات مع حكوماتهم في إطلاق سراحهم، بل على العكس فربما كنت من أكثر المغردين في تويتر الذين ساءتهم هذه المشاهد التي لم أجرؤ على رؤيتها حية أمامي، وإنما نقلها لي من أثق بحديثه وشهادته وتقديره لما رأى وشاهد، حيث إنني لا أملك ذلك القلب الذي يتحمل رغم قدرته على التحمل، ولكني عجبت من انهيار إنسانية ورحمة العالم أمام مشهد حرق هذا الطيار، الذي أتقدم إلى أهله وعشيرته من منبري هذا بأخلص شعور التعازي لفقدانهم ابنهم بهذه الصورة البشعة، ولم تهتز هذه الإنسانية البشعة أمام مشاهد حرق أهل رابعة والنهضة في مصر، والجثث التي تفحمت على مرأى من كاميرات القنوات العربية والغربية، ومع هذا استطاع إعلام حكومة الانقلاب في مصر أن يضلل العالم بأن ما كان هو دفاع عن أمن البلاد وأمانها!.. عجبت كيف كانت الأصوات بالأمس تتعالى في المنطقة العربية بعد حرق داعش الإرهابية للطيار الذي مازلنا نسبق هذه الصفة له، قبل أن نذكر اسمه في إشارة إلى أنه أيضاً كان مشاركاً في قوات التحالف الدولي، التي تكونت للقضاء على خلايا داعش في سوريا وأن (الورود) التي كان يسقطها من طائرته المقاتلة كانت أيضاً تقتل أبرياء في سوريا من أطفال ونساء وشباب وعجائز، ناهيكم عن أن ما تحمله هذه الطائرات هي أيضاً من مواد حارقة مثل الفوسفور الأبيض، لكن التعتيم الإعلامي العربي يجبرنا اليوم على أن نذكر معاذ الكساسبة على أنه ذهب ضحية بريئة أمام وحشية الدواعش، دون الدخول في عمق ما ينكر عليه هذه الصفة الآن، وقد صار بين يدي الله يشمله برحمته وعفوه بإذنه، ولم نسمع لهذه الأصوات حساً وقواتُ السيسي في مصر تقلب ميداني الرابعة والنهضة، قبل أن يكمل المرابطون فيهما صلاة الفجر، إلى محرقة نازية بشعة تحول فيها المصلون إلى جثث متيبسة سوداء، ومع هذا أنكر من أنكر فكان صوته الصوت الأضعف وسط صيحات التبجيل لإرهابية هذا الفعل، الذي لم يقل وحشية عما تفعله داعش الآن، ومثله ما يجري لأهل سوريا الذين يمارس في حقهم اليوم أكبر عملية تعتيم لحالات القتل التي يموتون فيها؛ ما بين حرق بكيماوي، وقنص برصاص، وتفجير بصاروخ، وموت باختناق تحت الردم، وقتل بجوع، وبرد وتشريد، فأين هذا العالم من المآسي هذه، إن كان ادعى بالأمس إنسانيته، وأفتى بتحريم الحرق لأن من يعذب بالنار هو رب النار وحده، ونحن نوافقهم في هذه الفتوى؟!.. أين كان شيوخ الدين الأجلاء من مظاهر الحرق التي تعرض لها مسلمو مصر وسوريا وبورما ومالي وإفريقيا الوسطى، ليفتوا بما أفتَوا به بالأمس، في قصة معاذ الكساسبة رحمه الله، رغم أني لا أتعمد أن أقارن، ولكن أليس هذا مثل ذاك، وتلك الآلام تشبه أخواتها؟!.. فإن كان الكساسبة طياراً لم تنأَ أرواح أبرياء عزل عن قذائف طائرته في عمق سوريا، فإن أبرياء رابعة والنهضة كانواً سجَّداً رُكّعاً غير مسلحين أيضاً، ومع هذا فقد جرفتهم الآليات السيسية، وأحرقهم رصاص غدر الداخلية والجيش، الذي ترك حدوده ليتشكل فيها العدو الخارجي الوهمي لمصر دخل لعمق البلاد، ليقتل من كانوا في الميادين يحيون ليالي رمضان بالدعاء والقيام وتلاوة القرآن.. فلم هذه الازدواجية في المشاعر وتناقض ردود الأفعال، رغم عظم المصيبة وتشابهها، ولم علت أصوات شيوخ الدين أمس وهي المكتومة المخنوقة منذ أحداث رابعة، وإلى ما يجري ولا يزال في سوريا ولمسلمي العالم؟!.. وأعيد وأكرر أن المسألة ليست مقارنة في أفضلية ردود الفعل على جرائم ترتكب في حق مسلمين وعرب مثلنا، لكننا نأسف أن تخرج فتاوى معلبة بأمر من ولي أمر، هو من يحدد مناسبتها ووقتها والمتحدثون لها للأسف!.. لذا من شعر بالأسف على معاذ مثلي، فليتذكر أن هناك من مات حرقاً في مصر وسوريا ولم يجد من يأسف له.. ببساطة لقي معاذ بواكيَ له، ولم يجد غيره من يبكيهم!.. حتى المشاعر تسيست!فاصلة أخيرة:كل ما أراه أن الأردن بات في مأزق كبير بعد حادثة معاذ الكساسبة، وأن إعدام العراقية (ساجدة الريشاوي) بعد ساعات من مقتل معاذ لن يعيد ثقة ضاعت، ولا سيخفف من غضب الرأي العام الذي رأى في مماطلة الحكومة، وسيلة مساعدة صديقة لإنهاء حياة معاذ رحمه الله!.