13 سبتمبر 2025

تسجيل

مواجهة ما جرى في نيويورك

05 يناير 2015

ما جرى مساء الثلاثاء الماضي من وقائع أسفرت عن رفض مشروع القرار العربي المقدم لمجلس الأمن. والذي ينص على إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية في فلسطين، وفق جدول زمني ينتهي بنهاية العام 2017. وذلك بحسبانه رمانة الميزان، في معادلة الاستقرار والأمن وحقوق الشعوب المقهورة والواقعة تحت الاحتلال، يعبر عن جملة من الحقائق. أولها أن العالم لم ينضج بعد للخروج من عباءة التأثير الصهيوني خاصة الدولة الكبرى. الولايات المتحدة. التي مارست كل صنوف الضغوط لإجهاض عملية التقدم بمشروع القرار سواء على الجانب الفلسطيني أو على الجانب العربي الذي أبدى حماسا واضحا لمشروع القرار على نحو يصل إلى حد الإجماع. ثم تواصلت هذه الضغوط -ومعها ضغوط صهيونية - عند طرح المشروع للتصويت خاصة على الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تجاوب بعضها معها في حين أن البعض الآخر لم ينحن له، وهو ما يتعين على الدول العربية أن تقوم بدراسته بعمق، لتتعرف على سبيل المثال على الأسباب التي تدفع دولة إفريقية كبرى، مثل نيجيريا ترتبط بعلاقات قوية مع أغلبها ويشكل الإسلام مكونا مهما لملايين من سكانها للتصويت بلا. ضد مشروع القرار وهو ما يعنى أن ما يسمى بالمنظومة العربية الإفريقية، والتي عقدت خلال السنوات الخمس الماضية، قمتين إحداهما في سرت الليبية في العام 2010. والثانية في الكويت في 2013 ليست على النحو المطلوب من التماسك. مما يتعين معه إعادة النظر في كل الخطوات التي يتخذها العرب تجاه مثل هذه الدول التي سرعان ما تستجيب لرغبات الكيان الصهيوني. على نحو يجعلها أكثر فعالية من الخطوات التي يقوم بها الكيان في إفريقيا. والتي – حتى نكون أكثر صراحة –تتسم بقدر كبير من الانسجام والتناغم مع متطلبات الدول الإفريقية.ثانيا: ثمة إشكالية في المنهجية الفلسطينية -ومعها بالطبع العربية - في التعاطي مع مجلس الأمن. فالجميع كان لديه قناعة بأن الإدارة الأمريكية المتحالفة أفقيا ورأسيا مع الكيان الصهيوني. باعتباره الشريك الاستراتيجي الحقيقي والوحيد في منطقة الشرق الأوسط. سوف تستخدم حق النقض – الفيتو – وبالتالي لم تركز على الخطوات الإجرائية. التي تسبق التصويت النهائي. والمتمثلة في اعتماد القرار والذي يتطلب توافر تسعة أصوات وهو ما لم تنجح فيه الدبلوماسية الفلسطينية والعربية. وكان من الضروري أن تتكثف الاتصالات مع الدول الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن. بما يضمن الأصوات التسعة ثم ملاحقة مختلف أشكال الحصار والضغوط التي يقوم بها الطرفان الأمريكي والإسرائيلي. وليس الاكتفاء فحسب بمجرد الحصول على وعود من ممثلي هذه الدول. عبر استخدام كل القنوات المتاحة. بما في ذلك إجراء الاتصالات على مستوى القمة. وهو ما نجح فيه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان. عندما اتصل بصديقه رئيس نيجيريا -على حد وصفه - والذي استجاب لطلبه. وشخصيا. فإنني على علم بأن ذلك لم يحدث على المستوى العربي. فالجميع ركن إلى الاتصالات التي أجراها الوفد الوزاري العربي. والذي ضم وزراء خارجية الكويت وموريتانيا وفلسطين إضافة إلى الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية. مع وزراء خارجية أمريكا وبريطانيا وفرنسا في كل من لندن وباريس. بينما تحرك نتنياهو إلى روما للقاء جون كيري في نفس توقيت تحرك الوفد الوزاري العربي. وبذلك تبدو واشنطن في حالة من البراءة والنقاء والشفافية. فهي تجاوبت مع مطالب العرب في تجنب اللجوء إلى الفيتو. بيد أنها في الوقت ذاته عملت على إجهاض مشروع القرار من الجذور.ثالثا: ثمة تساؤل ألم يكن الطرف الفلسطيني - والعربي بالضرورة - على وعي وإدراك، بأن هناك تغييرا سيطال تركيبة العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن في مطلع العام الجديد، وستضم خمس دول بطبيعتها مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، فلماذا كان الإصرار على عرض المشروع للتصويت قبل بداية العام الجديد، خاصة أن موازين القوى في المجلس تكاد تكون معروفة؟ وهل ينبئ ذلك عن سوء تقدير للموقف؟ أم أن هناك أسبابا غير معروفة وراء هذا التحرك؟ خاصة أنه كان لدي معلومات من مسؤول فلسطيني رفيع المستوى بأن هناك تفكيرا جادا لدى القيادة الفلسطينية لطرح المشروع على التصويت في شهر يناير.رابعا: إن الخطوات التي أقدمت عليها القيادة الفلسطينية في اليوم التالي للإخفاق في تمرير مشروع القرار، تعكس رغم كل الملاحظات سالفة الذكر عن استعداد جيد للتعامل مع تداعيات هذا الإخفاق ولعل ما يستحق الإعراب عن التقدير في هذا الصدد، هو أن الرئيس أبو مازن لم يخش التهديدات والضغوط التي تعرض لها للتراجع عن هذه الخطوات، وفي صدارتها توقيع طلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وهي الخطوة التي أصابت قادة الكيان بالقلق، لكونها توفر المطالبة بمحاكمتهم لارتكابهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وقد حاول نتنياهو شخصيا التقليل من هذه الخطوة، عندما أراد أن يلقي بالكرة في ملعب الفلسطينيين حيث لفت أن المحكمة ستحاكم قادتهم بتهمة انتمائهم لتنظيم إرهابي – حسب توصيفه هو حركة المقاومة الإسلامية – حماس – وهو ما لم يخف أيا من رموز القيادة الفلسطينية. التي لم توقع على طلب الانضمام لهذه المحكمة فحسب. وإنما لـ22 من المنظمات والهيئات والبرتوكولات الدولية التي يحق لدولة فلسطين. العضو غير المكتمل بالأمم المتحدة. الانضمام إليها مما سيتيح لها الحصول على المزيد من الحقوق والامتيازات على الصعيد الدولي. ولكن ذلك يستوجب تحركا فلسطينيا وعربيا نشطا باتجاه الأمم المتحدة. وهذه المنظمات والهيئات والبرتوكولات لقطع الطريق على أي ضغوط صهيونية وأمريكية. تحاول أن تجهض عضوية دولة فلسطين بها مما يستوجب أن يكون في صدارة جدول أعمال الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية. الذي سيعقد منتصف الشهر الجاري المخصص لبحث تداعيات مشروع القرار. خامسا: ثمة حاجة حقيقية لإعادة النظر في مجمل تفاعلات المشهد الفلسطيني الداخلي. باتجاه بناء مصالحة وطنية حقيقية. تكون بمنأى عن الاهتزاز والسقوط في أفخاخ التصريحات الإعلامية المستفزة من هذا الطرف أو ذاك. فذلك وحده كفيل بتحقيق وحدة الموقف. فضلا عن أنه يشكل إسنادا قويا للمفاوض الفلسطيني. في تعاطيه السياسي. سواء مع الكيان الصهيوني أو مع الأطراف الدولية. الأمر الذي يجب أن يقود بالضرورة إلى ضرورة تحقيق إستراتيجية وطنية - وفق تعبير الكاتب الفلسطيني معين الطاهر - للرد على تداعيات إخفاق مجلس الأمن في إقرار مشروع القرار. وحسب رؤيته فإنه في ظل ظروف الانقسام الفلسطيني وما أنجزته المقاومة في غزة من جهة، وطبيعة الأوضاع في الضفة، فإنه قد يتجسد أسلوبان مختلفان من النضال، لكنهما يصبان ضمن إطار هذه الإستراتيجية وطنية شاملة. ففي غزة، ينبغي الاستعداد للجولة المقبلة، بتعزيز قدرات المقاومة العسكرية والتمسك بسلاحها، وهذا يستدعي تشكيل إدارة وطنية موحدة من الفصائل والشخصيات الوطنية، تخوض النضال من أجل رفع الحصار، وتخفيف المعاناة الإنسانية، وتحافظ على قدرات المقاومة العسكرية وتطورها. أما في الضفة الغربية، فقد آن الأوان لخوض مقاومة شعبية شاملة حقيقية، تشكل الوجه الرئيس، والسمة الغالبة لكفاح الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة. تتجاوز هذه المقاومة الشعبية ما عرف بالمسيرات الأسبوعية ضد جدار الضم العنصري، لتتحول إلى مواجهة يومية مع حواجز الاحتلال ومستوطناته ودورياته، في مقاومة شعبية، تتصدى للاحتلال، وتقيم لجانها الوطنية في كل الأحياء والمدن والقرى، مقاومة شعبية ترفض المفاوضات والاتصالات مع العدو، وتنهي كلياً التنسيق الأمني معه، وتضع شروطها لدحر الاحتلال من دون قيد أو شرط.