13 سبتمبر 2025
تسجيليعلمنا التاريخ القريب أن أساليب الغزو المباشر أثبتت فشلها، وبما أن الحروب بكل أشكالها لا تزال على أجندة العالم، تراه اتجه إلى أساليب جديدة، ألا وهي اختراق ثقافات الشعوب وهو ما توليه الشبكة العنكبوتية أهمية استثنائية باعتبارها تجسيداً مجازياً لعناصر النخبة المتنورة والقادرة على التفكير والتغيير في بُنى مجتمعاتها، فمهدت من أجل ذلك بالاعتماد على مغريات المادة وسطوة الإفساد المُوجهة لمجموعة المتنورين وحملة لواء الفكر والثقافة والإبداع الوطني والقومي في بلدانهم كمحاولة لتنفيذ سياستها في الاحتواء. يقول دين راسك وزير خارجية حكومة آيزنهاور: «إن لبلادنا حظاً نادراً، لأن باستطاعتها اجتذاب مهاجرين من الخارج أصحاب ذكاء عال وكفاءة مرتفعة، فالهجرة إذا ما نظمت يمكنها أن تكون أحد أكبر مواردنا القومية».. هذا بعض مما جاء في كتاب «العولمة» للسيد عبد الله أبو راشد، وهكذا توظف هذه العقول لمصلحتها من خلال التوجه المنظم للوسائل التي تتيحها تكنولوجيا المعرفة المنتشرة في دول العالم بعلامة ما جاء في أهدافها: «إننا نحاول الحصول على معونة كتاب مشهورين في عالم الأدب ونطلب منهم تأليف الكتب لحسابنا، إن شهرتهم تعطي الكتاب إمكانية أكثر للتصديق والإقناع»، ولعل أبلغ مثال هو فوكو ياما الياباني الأصل، أفلا نقف قليلاً كالشحارير على رؤوس الأشجار نتأمل ما يُطبّق على الأرض؟! فهذا التوجه الأيديولوجي يُمثل المعبر الحقيقي لاختراق ثقافات الشعوب عبر بوابة التقانة التي تعني التطبيق العملي لما يُنتج في مجال الثقافة المادية وما يرتبط بها من معارف ومهارات وخبرات سارعت في عبودية الإنسان واستلابه الذهني واختراق عقله من أجل تأسيس ملامح ثقافية ومعرفية جديدة متجانسة مع كلّ ما يطرحون، متجاوزة ذاكرة الشعوب ولغتهم وتاريخهم وحضارتهم، كونها تدخل البيوت والعقول بلا استئذان ومرتبطة بالأقلية المالكة والمسيطرة. هذا هو السلاح الجديد لاستعمارنا تحت مسمى «العولمة»، علماً بأنه من المفترض ألا نخشى العولمة لو أننا تحصنا بالوعي الذي يجعلنا شركاء في الإنسانية.