15 سبتمبر 2025

تسجيل

أخلاقيات الأرض "2"

05 يناير 2011

القيم الأخلاقية مهمة في حياتنا، إنها المعيار الحقيقي لوزن الإنسان وتقييمه، وهي المعيار الذي يفرق بين الجمال والقبح، بل هو المعيار الذي يحدد القيمة الفعلية للنفس البشرية، وهي قيم متطورة بتطور الزمن والعصر، لذلك لم تعد القيمة الأخلاقية التقليدية التي تربينا عليها في كتب المحفوظات والقراءة والتربية الدينية هي المعيار الوحيد لتقييم النفس الإنسانية في هذا الزمن المتغير، فالقيم مثلها مثل كل شيء في الدنيا قابلة للتطور واتخاذ مساقات جديدة رغم ثباتها وعدم قابليتها للتجزئة، ومن أهم المساقات الأخلاقية الجديدة مفهوم الأخلاق البيئية التي تبني علاقة متكاملة بين الإنسان والبيئة ولا أعتقد أننا نبالغ بالقول: إن جلّ المخاطر التي تتعرض لها البيئة هي نتاج طبيعي لضعف الوازع الأخلاقي لدى الإنسان، لأنّ الأخلاق ليست هي الحصن المنيع الذي يمنح الإنسان معنى إنسانيته ويؤمن له الاستقرار الداخلي وينظم علاقاته بالآخرين فحسب، وإنما هي أيضاً عنصر الحماية الرئيسي للبيئة ومواردها ومكوناتها، وكلما سما الإنسان أخلاقياً وروحياً كان ذلك أدعى للاستقرار البيئي فضلاً عن الاستقرار الاجتماعي... وكلما تداعت أو تصدّعت المنظومة الأخلاقية وتردّى الإنسان روحياً كان ذلك مؤشراً على ازدياد المخاطر البيئية، فضلاً عن الأزمات الاجتماعية، ولذا فإن إصلاح البيئة يبدأ من إصلاح الإنسان، وإصلاح الإنسان لن يكون ميسوراً إلا بإعادة الاعتبار إلى القيم الأخلاقية السامية، وذلك لأنه عندما تسود مبادئ النفعية والأنانية ويغدو الطمع والجشع والاحتكار دليل النجاح و"الشطارة"، وفي المقابل تصبح قيم الرفق والإحسان والاقتصاد، دليل السذاجة والفشل؛ عندما يسود هذا "المنطق" بموازينه المغلوطة ومفاهيمه المعكوسة فعلى الإنسانية السلام، وعلى البيئة ألف سلام! في ضوء ما تقدم لا يعود مستغرباً هذا الاهتمام بالنظام الأخلاقي للأرض، لدرجة أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لخّص هدف بعثته بأنه العمل علىٍ تشييد صرح الأخلاق وإكمال مكارمه، قال عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (السنن الكبرى للبيهقي10/192، بحار الأنوار:16/210)، ولا يخفى ما تختزنه كلمة "أتمم" من اعترافٍ بجهود السابقين من الأنبياء والحكماء على صعيد البناء الأخلاقي. والحقيقة أن الإرشادات والوصايا والتعاليم الأخلاقية التي جاءت بها الرسالة الإسلامية تطبيقاً وتأكيداً لمقولة رسول الله الآنفة حول مكارم الأخلاق تحتلّ حيزاً كبيراً من التراث الإسلامي الخالد الذي تركه رسول الله.. وما علينا إلا أن نعمل على نشر هذه التعاليم. وقد بالغ بعض الشعراء المسلمين في دعوته إلى العطف على الكائنات جميعها بما في ذلك النبات، مقدماً صورة بليغة ومعبرة عن إحساس النبات وشكواه إلى الله من عنف الإنسان وقسوته، قال: ارحم الغصن لا تنله بسوءٍ قد يحسّ النبات كالإنسان واستمع للحفيف منه تجده بات يشكو الإنسان للرحمن