18 سبتمبر 2025

تسجيل

ما معنى القوة الغاشمة ضد الإرهاب الغاشم؟

04 ديسمبر 2017

أبدأ هذا المقال باللعنة على كل إرهاب، وعلى كل إرهابي، وإدانة جريمة المسجد المصري يوم الجمعة، كما فعلت دولة قطر وكل الدول المحبة للسلام، لكن بالمعنى الحقيقي للإرهاب لا بالمعنى المدلس الذي يلصق الإرهاب بالخصم السياسي أو بالمخالف في الرأي، ولتقرأوا تاريخ البشرية الحديث لتدركوا أن عبارة الإرهاب كانت هي المستعملة لنعت المقاومين الجزائريين والتوانسة ضد الاستعمار الفرنسي، وحوكم بورقيبة وبومدين وبن بلة وعبد الكريم الخطابي بتهمة الإرهاب! وعبارة الإرهاب لا تزال تستعمل لنعت المقاوم الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي المصنف من قبل منظمة الأمم المتحدة كقوة احتلال غير شرعي بل وتضفي المنظمة الأممية على المقاومة الفلسطينية شرعيتها كحق شعب في الدفاع عن استقلاله. كما تم نعت رواد الحرية ومناضليها في فرنسا أثناء احتلال بلادهم من قبل النازية الألمانية في سنة 1941 بأنهم إرهابيون وزعيمهم الجنرال شارل ديغول محكوم بالإعدام بتهمة الإرهاب. وأنا نفسي الذي عارضت النظام التونسي المستبد في أواخر عهد الزعيم بورقيبة رحمة الله عليه وحصلت سنة 1986 على اللجوء السياسي مع صديقي رئيس حكومة تونس محمد مزالي الهارب مثلي من القمع نعتتنا وزارة الخارجية التونسية آنذاك بالإرهابيين في رسالة طلب ترحيلنا مكلبشين إلى القضاء التونسي (المستقل حينذاك!) وكان رد السلطات الفرنسية للمستبدين صفعة أليمة! ونفس الرد جاءهم من دولة قطر حين استقدمتني بمكرمة من صاحب السمو الأمير حمد بن خليفة حفظه الله سنة 1992 وجزاه الله خيرا حين أجارنا عندما استجرنا به، وحين طوردنا وأخرجنا من ديارنا بغير حق! وإلى اليوم لا تيأس اللوبيات التي مولها محمد دحلان بأموال إماراتية في فرنسا فتنعتنا بشتى النعوت الإرهابية لأننا نناصر قضية حق دولة قطر في السيادة واستقلال القرار! نكتفي بهذا القدر لنخلص إلى أن الإرهاب الذي قتل أكثر من 300 مصلٍ مسلم في مسجد الروضة بالعريش هو الإرهاب بعينه وتجوز إدانته ومقاومته وملاحقة مقترفيه من قبل الدولة والمجتمع. لكن استعمال الرئيس عبد الفتاح السيسي لعبارة (القوة الغاشمة) هو استعمال خاطئ ولم يوفق من نصحه باستعمال هذا المصطلح لأسباب لغوية وسياسية موضوعية كان السيسي في غنى عنها لأنها تشوه المسعى المشروع والقانوني الرسمي والشعبي لمكافحة الإرهاب فالظلم لا يقاوم بالظلم والعنف الأعمى إذا واجهته السلطة بقوة عمياء إنما تزيده قوة وانتشارا ولا تحد منه والتجارب التاريخية عديدة (خذ مثلا الحرب الغاشمة التي شنها بوش الابن ضد العراق وأفغانستان تحت شعار مقاومة الإرهاب! فقد ضاعفت عدد بؤر الإرهاب من بؤرتين سنة 2003 إلى 24 بؤرة سنة 2017.!) ثم لماذا لم يرجع مستشارو الرئيس المصري إلى معاجم اللغة العربية وهي تملأ المكتبات المصرية ليكتشفوا المعاني الحقيقية للقوة الغاشمة؟ ولنبدأ بتعريف الغاشم عند ابن منظور القفصي التونسي في معجمه (لسان العرب) الذي يعتبره علماء اللغة الحجة الثانية بعد القرآن. يقول محمد بن منظور: "الغشم هو الظلم والغضب والحرب الغشوم هي التي تنال غير الجاني والرجل الغشوم هو الذي يركب رأسه ولا يثنيه شيء والغشوم هو الذي يخبط الناس ويأخذ منهم كل ما قدر عليه. وفي قاموس المعجم الوسيط غشم الرجل أي احتطب ليلا فقطع كل ما قدر عليه من دون نظر ولا فكر. أي الخارج عن القانون بالمعنى المعاصر". رأينا إذن أن اللغة العربية تلعب دورا أساسيا في تحديد المعاني وربما في توريط رجال السياسة فيما لم يقصدوه والأنكى هو حين يقصدون المعنى المعاكس للقانون والحكمة عن سابق إضمار وإصرار لإشاعة الرعب وبث الخوف في قلوب مرتكبي الإرهاب! لكن التهديد بالرد بالقوة الغاشمة هو بكل موضوعية لغوية على الأقل انخراط شعوري أو لا شعوري في منطق أعداء المجتمع والضاربين بالقانون عرض الحائط وارتكاب نفس ممارساتهم (الغاشمة) بدعوى ترويعهم! ولا يزيد هذا المنطق الخطأ الإرهابيين إلا إرهابا ما داموا هم يستعملون القوة الغاشمة ضد قوة غاشمة!! أختم حديثي بما سمعته شخصيا من المستشار الأسبق للجمهورية الألمانية (جيرهارد شرويدر) فسألته سيدي المستشار أنت كنت وزيرا للعدل في السبعينيات فكيف قضيتم نهائيا على العصابات المتطرفة (بادر ماينهوف) وإرهابها فقال لي "بقوة القانون وتطبيق بنوده وتعزيز آليات الدولة العادلة" نعم بالمزيد من تفعيل دولة الحق والقانون لا بالقوة الغاشمة. فاعتبروا يا أولى الألباب.