18 سبتمبر 2025
تسجيلمن بين الحكايات العديدة التي تصلني من القراء والأصدقاء عبر البريد الإلكتروني، استوقفتني حكاية مجموعة من الضفادع حديثة الولادة، قررت تنظيم مسابقة للصعود إلى عمارة متعددة الطبقات قفزا على جدارها الخارجي، وكما هو متوقع فقد تجمع عدد كبير من المتفرجين حول الضفادع الصغيرة، وعلت صرخات التهكم: سيتهاوون جميعا من أول قفزة، انظر إلى تلك الضفدعة الهزيلة التي أعتقد أنها لم تكمل سبعة أشهر في بطن أمها، إنها لا تكاد تقوى على الوقوف، فكيف تستطيع أن تقفر حتى لربع متر!! مساكين سيقعون بالجملة، ثم لا يصلحون حتى شوربة في مطعم فرنسي. ثم صرخ منظم السباق مطالبا الجميع بالهدوء استعدادا لبدء السباق، ولكن ضحكات التهكم ارتفعت مجددا: بلا سباق بلا بطيخ.. لا تشجعوا المساكين على الانتحار الجماعي.. رشوا هذه الضفادع التعيسة ببعض الماء كيلا تتشقق جلودها، وفجأة أطلقت إشارة بدء السباق من مسدس فسقط نصف الضفادع المتسابقة على أقفيتهم، وسارت البقية قفزا نحو العمارة، ومع أول قفزة إلى أعلى تساقط العشرات، وتعالت الضحكات والتعليقات الساخرة: ضعوا لهن بعض الذباب عند حافة الطابق الأول كحافز.. لو وقفت مليون ضفدعة فوق بعضهن البعض لما نجحن في الوصول إلى أعلى العمارة!! ولكن بضع ضفدعات واصلن القفز، ثم وعند الطابق الثاني كانت جميع الضفادع، ما عدا واحدة في غرف الإنعاش، أو داخل سيارات الإسعاف، بعضهن أصيب بكسور مركبة، وبعضهن أصيب بشد عضلي، وبعضهن أصيب بهستيريا واضطرابات نفسية، بينما واصل الضفدع العنيد صعوده إلى بقية طبقات العمارة، واصل المتفرجون الهتاف: انس الموضوع يا بطل.. ارجع إلى البالوعة يا "روح أمك".. فاكر نفسك باتمان (الرجل الوطواط) وألا سبايدر مان (الرجل العنكبوت)؟ ولكن الضفدع واصل الصعود بقفزات منتظمة، وإن كان الإعياء باديا عليه، وأطل بعض ذوي المروءة من سكان العمارة من نوافذ شققهم وصاحوا في الضفدع: ما فعلته يكفي فلا ترهق نفسك أكثر من هذا، وادخل عندنا نعطيك بعض الماء وحماماتنا بها صراصير تجنن وتهبل. كل ذلك والضفدع لا يحفل بالمتصايحين من باب الإشفاق أو التهكم، وبين دهشة الحضور وصل الضفدع إلى أعلى العمارة، فاندفع الصحفيون نحوه يسألونه عن سر قوته وسر نجاحه في الصعود على جدران بناية شاهقة، بينما بشر أقوى منه بنية بآلاف المرات، يعجزون عن الصعود إلى طابقها العلوي مشيا على السلم (الدرج)، ولكن الضفدع لم يجب على أسئلة الصحفيين، وغادر البناية، فتحدثت وسائل الإعلام لعدة أيام عن الضفدع الذي حقق إنجازا بـ"أساليب ملتوية"، بدليل أنه رفض أن يتحدث عن الكيفية التي نجح بها في صعود العمارة قفزا. وهناك من قال إنه مغرور، ويريد الحديث عن إنجازه فقط نظير مقابل مادي، وقال البعض إن الوصول إلى أعلى العمارة أصابه بشد عضلي في اللسان جعله عاجزا عن الكلام. ما لم يكن يعرفه جمهور المتفرجين والصحفيين، هو أن الضفدع الفائز كان "أطرش كلش"، لا يسمع كلش!! وإذا أردت أن تنجح في أمر أو مجال صعب في نظر الآخرين، فكن مثله، لا تكن غبيا وتثقب أذنك بآلة حادة حتى تفقد القدرة على السمع، بل "طنش" الكلام المحبط الذي تسمعه كلما عزمت على أمر شريف الغاية، فهناك من يقول لك (وقد يكون أبوك أو أمك) إنك لست من أهل التعليم الجامعي، أو لا تملك القدرة على الدخول في مشروع تجاري، وقد تلجأ كشخص موهوب في عالم الكتابة، إلى من تحسبهم كتابا كبارا لتعرض عليهم إنتاجك، فيقولون لك "دع الكتابة لأهلها وأحسن لك تفتح محل شاورما"! بل هناك من قد ينصحك بأن لا تفكر في الزواج تفاديا لوجع الرأس والقلب! ولكن إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ .. فإن فساد الرأي أن تترددا