13 سبتمبر 2025
تسجيلبينما يزورنا هذه الأيام معرض الكتاب في دورته السادسة والعشرين، تثار من حوله التساؤلات المعهودة في مثل هذه المناسبة، هل مايزال الكتاب حاضرا بيننا ويحظى بالمكانة التي كانت له في الماضي؟ وهل مايزال يحتفظ بمجده القديم كحاضن للعلم والمعرفة والفكر والفن والأدب؟.ورغم تأكيد البعض من الكتاب والناشرين أن الكتاب يشيخ ولا يموت إلا أن الكتاب في زماننا هذا لا يعيش عصره الذهبي، فبعيدا عن كتب الطبخ والمكياج والأبراج وبعض القصص البوليسية والعاطفية، ينزوي الكتاب بعيداً في زاوية صغيرة ليحل محله الكتاب الإلكتروني والمواقع والصحف الإلكترونية كمصدر للمعلومات.وبالعودة إلى الإحصائيات نجد أن وضع الكتاب في بلادنا العربية لا يبشر بالخير، فبالمقارنة مع أمريكا وأوروبا لا تتجاوز مبيعات الكتب العربية الأربعة ملايين دولار سنويا، في حين يصل هذا الرقم في دول الاتحاد الأوربي إلى 12 مليار دولار، ولا تشكل الكتب الصادرة في الوطن العربي بأسره ربع ما تنشره اليونان على سبيل المثال.فيما يشير تقرير حديث لليونسكو إلى أن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي خارج المنهاج الدراسي 6 % في السنة، وفيما يقرأ كل 20 طفلاً عربياً كتاباً واحداً، فإن الطفل البريطاني يقرأ سبعة كتب، والأمريكي أحد عشر كتاباً. وتشير إحصاءات أخرى إلى أن رصيد الدول العربية لا يتجاوز 1.1 % من الإنتاج العالمي لكتب الأطفال، رغم وجود أكثر من 55 مليون طفل في العالم العربي.حديث الأرقام مخيف وهو هنا يتناول عالم الكتب هذا العالم الساحر الذي نتسلل من خلاله إلى أفكار المبدعين وخلاصات عقول الفلاسفة والمفكرين... ينقلنا بين جنباته إلى قصور الملوك والسلاطين لنستمع إلى الشعراء والمنشدين والقيان والعازفين وننتقل في غمضة عين إلى ساحات الوغى ومنازلات الفرسان المتبارزين، ويذيب قلوبنا بمطارحات المحبين، ويستفز عقولنا بنظريات العلماء واختراعات المخترعين ومواعظ الواعظين ومغامرات الرحالة والمستكشفين، وبين الخيال والواقع والأفكار والعلم يبقى الكتاب الذي ظل لقرون طويلة متربعاً على عرشٍ لا ينازعه فيه أحد وظل العنوان الأوحد للرقي والتقدم.فحضارتنا العربية والإسلامية لم تولد إلا من رحم الكتب التي أجاد العرب ترجمتها من لغات أهل الحضارات الأخرى التي سبقتنا في مضمار الحضارة مثل الإغريقية والفارسية والسريانية وغيرها من اللغات الحية آنذاك، ثم ليظهر فلاسفة ومفكرون من أعماق هذه الحضارة الناشئة الجديدة ولينقض ابن رشد أفكار أرسطو وينشيء الخوارزمي علم الرياضيات بصورته الحديثة ويسبق البيروني إسحاق نيوتن في اكتشاف الجاذبية الأرضية وينادي الإدريسي بكروية الأرض قبل نيكولا كوبرنيكوس.ويبدو بيت الحكمة في بغداد الذي كان أعظم إنجاز لخلفاء بني العباس كصرح كبير من صروح العلم والمعرفة الذي جُمعت في خزائنه آلاف الكتب المخطوطة في زمن كان الكتاب يخط باليد ولم تظهر للعالم بعد طابعة الألماني يوهانس جوتنبرج التي أتاحت الكتب للجميع وجعلتها في متناول كل يد.ولعل الجاحظ الذي أفنى سنوات عمره الـ 90 في كتابة وتأليف أمهات الكتب وإثراء الأدب العربي بكتابات فريدة مثل البيان والتبيين وكتاب الحيوان والبخلاء ربما غير آسفٍ لأنه قضى نحبه تحت أكوام الكتب التي سقطت عليه والتي طالما أحبها ولم يترك يوماً يمضي في حياته دون أن يكتب فيه شيء.الكتاب في زمننا هذا سقط عن عرشه القديم، ليأتي لنا هذا الزمان بوسائل جديدة أفقدت الكتاب زهوه ومجده التليد، ولتبدو معارض الكتب التي تجتهد بعض الدول في إقامتها ومنها قطر محاولة لجذب الناس إلى الكتاب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه لهذا المنتج العظيم، الذي وصفه شاعر العربية الأعظم المتنبي بأنه خير جليس بقوله:أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب