14 سبتمبر 2025
تسجيلفي الوقت الذي يغرق فيه الغرب على شاطئي الأطلسي في بحر من أزمات متتالية وخطيرة، فإن الشرق يحقق النجاح تلو الآخر، فبعد الاتفاقيات الاقتصادية المهمة الموقعة بين الصين والهند والتي تفتح آفاقا واسعة للتعاون بين البلدين، فقد اتفق زعماء الصين واليابان وكوريا الجنوبية الأسبوع الماضي على إبرام معاهدة استثمار ثلاثية بنهاية العام الجاري بهدف تسريع محادثات التوصل لاتفاق تجارة حرة بينهم. وإذا ما وقعت مثل هذه الاتفاقية كما هو متوقع، فإن العالم سوف يشهد إقامة أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم يتجاوز عدد سكانها المليار والنصف نسمة، وهو ما يشكل أكثر من 21% من سكان العالم ويتعدى سكان بلدان الاتحاد الأوروبي ومنطقة "النافثا" في أمريكا الشمالية مجتمعة. الثقل الاقتصادي العالمي ينتقل من الغرب إلى الشرق، هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، ومع أن الاهتمام في الوقت الحاضر يتركز على التغيرات الاستثمارية والتجارية، وذلك بحكم الطاقات الاستيعابية الكبيرة للأسواق الآسيوية، إلا أن هناك تحولات لا تقل أهمية وذات أبعاد اقتصادية وسياسية وإستراتيجية معقدة، مما يتطلب إعادة تقييم للعلاقات الدولية من قبل مختلف بلدان العالم في ظل هذا التحول. والمطلوب أن يتم تقييم هذه العلاقات ليس لأسباب موضوعية تتعلق بالأسواق فحسب، وإنما من خلال بلورة رؤية إستراتيجية تتيح حماية المصالح الاقتصادية ونسج تحالفات جديدة تعبر عن عمق التحولات العالمية الجارية حاليا. وإذا ما أخذنا أزمة الاقتصاد الأمريكي وأزمة منطقة "اليورو" على سبيل المثال، فإن هذه الأزمات سوف يتم تجاوزها، فهذه بلدان تسير وفق أنظمة وقوانين إدارية تم وضعها في مراكز أبحاث وبعد القيام بدراسات علمية، إلا أن المهم هو أنه لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي سيعودان مثلما كانا قبل الأزمة. وهذه بالذات النقطة الجوهرية التي لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار- وبناء على ذلك - فإن الاقتصاد العالمي وتوازن القوى الدولية سوف لن يشبه أوضاع ما قبل الأزمة، فهناك مجموعة "بريكس" وهناك التحالف "الأصفر" الجديد في شرق آسيا أخيرا هناك مجموعة العشرين وتوازناتها وتناقضاتها الداخلية. والسؤال المهم هنا، هو أين هي مصالح بقية بلدان العالم؟ وأين يقف العالم العربي من مجمل هذه التحولات الجذرية والتي لا تعيرها العديد من البلدان الأهمية التي تستحقها، وذلك رغم تداعياتها المرتقبة في السنوات القليلة القادمة. النقطة المضيئة اقتصاديا في العالم العربي تتمثل في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك رغم بطء المسيرة الخليجية، فدول المجلس تحقق معدلات نمو جيدة، كما أن مستويات المعيشة تتحسن رغم معدلات التضخم المرتفعة، وفي الوقت نفسه توفر دول المجلس مستويات تعليم وصحة وخدمات تحتية ترتقي إلى مستويات المعايير العالمية. ومع ذلك يوجد من يحاول الإساءة لهذه التجربة العربية الناجحة، سواء بافتعال الأزمات والمبالغة في بعض الانعكاسات الناجمة عن الأزمات العالمية أو بعرقلة تنفيذ الاتفاقيات الخليجية الموقعة بين دول المجلس، فمنطقة التجارة الخليجية الحرة وضعت العراقيل أمامها بحجة ما سمي في ذلك الحين باحتساب عناصر القيمة المضافة. أما في الوقت الحاضر، فإن التعرفة الجمركية الموحدة يتم عرقلة تنفيذها من خلال عدم إعادة فرض رسوم جمركية عليها لمدة عامين فقط في حالة انتقالها بين دول المجلس، أما إذا ما مضى عليها أكثر من عامين، فإنه يتم فرض ضريبة عليها مرة أخرى بنسبة 5%. ولا نعرف حقيقة من هي العبقرية الاقتصادية الفذة التي تقدمت بهذا الاقتراح المعرقل للعمل الاقتصادي الخليجي، إلا أن الأمر الأدهى هو موافقة وزراء التجارة على هذا البند وتطبيقه! وبدون التفكير بعواقبه السلبية على التبادل التجاري الخليجي المشترك والذي تسعى دول المجلس إلى تنميته. أما بقية بلدان العالم العربي، فإن أوضاعها الاقتصادية تسير من سيئ إلى أسوأ، فمستويات المعيشة تتدنى ويزداد اعتمادها على العالم الخارجي في تلبية احتياجاتها من الغذاء وترتفع في المقابل نسب البطالة والتي زادتها سوء الأحداث العربية الجارية، حيث وصل معدل البطالة في اليمن إلى %70 في الوقت الحاضر. وإذا كان الحديث يتم سابقا عن الغرب ممثلا في طرفي الأطلسي، أي الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الحديث عن الشرق لا بد وأن يفصل بين شرقه الأقصى والأدنى، فالأول يسير بخطى حثيثة ليتزعم العالم اقتصاديا، في الوقت الذي يعيش الآخر أزمات سياسية واقتصادية وسعي حثيث لامتلاك الأسلحة النووية التي لا يمكن لأحد أن يستخدمها، وذلك رغم تكلفتها الاقتصادية الباهظة، حيث يشكل غياب الرؤى الإستراتيجية أحد أسباب هذه التناقضات التي يعيشها الشرق الأدنى.