12 سبتمبر 2025
تسجيلأصبح اليوم ترديد لازمة «حل الدولتين» أكثر حضورا بعد عملية «طوفان الأقصى»، وكأنها هبطت من السماء، وليست موجودة منذ «اتفاق أوسلو»، وهي لا تزال شعاراً يتردد في البيانات فقط، فيما الواقع يؤكد أنها لزوم ما يلزم في الذهنية الأمريكية تحديدا، لأن الأصل مقولة الرئيس جو بايدن «لو لم تكن إسرائيل لعملنا على إيجادها». هذه الحقيقة يدركها الشعب الفلسطيني أكثر من غيره، وهي في الوقت نفسه، مجرد مساحيق تجميل للدول العربية العاجزة عن فعل أي شيء للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، بل إنها تسير في النهج الأوروبي – الأمريكي على خطى تصفية القضية الفلسطينية، وتنتظر الوقت المناسب لغسل يدها منها، حتى لو قتل مليونا فلسطيني في غزة، ومثلهم في الضفة الغربية، لأن الحل في نظر تل أبيب هو عبر تكريس «يهودية الدولة». في هذا الشأن لا يمكن تجاهل التاريخ، قديمه وحديثه، فالأساس الذي قامت عليه فكرة «الدولة اليهودية» جعل الكيان صافيا عرقيا ودينيا، وليس هناك وجود للفلسطينيين، حتى ما يسمى «عرب 1948»، إذ في القانون الذي اقر عام 2018 جُعل منهم «مواطنين درجة ثانية»، وكانت هناك اقتراحات كثيرة للتخلص منهم، بدأت في عام 1948، واستمرت إلى يومنا هذا، وخطة غيورا ايلاند القاضية بتهجير سكان غزة إلى سيناء، وبناء مستعمرات لهم، العنوان الأبرز طوال 23 عاما، وقد تكشفت في الحرب الأخيرة. هذه الخطة هي واحدة من خطط عدة، منها عندما تسنح الظروف لتطبيق «قانون يهودية الدولة» يصار إلى سحب الجنسية من «عرب 48»، وتهجيرهم إلى لبنان وسوريا، فيما يجري تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن. لهذا كان الموقف المصري والأردني صارما حيال هذا الأمر، لإدراك قادة البلدين أن الاقتراح الذي طرح بشدة في الأيام الأخيرة لم يكن وليد اللحظة، وإذا سار وفق الرؤية الإسرائيلية، ومع الدعم الأمريكي والغربي الكبير لتل أبيب، فمن الطبيعي أن يشكل فتيلا يشعل برميل بارود الحروب الأهلية في كل المنطقة. في الحملة الفرنسية على مصر وضع نابليون بونابرت خطة لفصل مصر عن سوريا، وأعلن يومها نداء الى اليهود للاستيطان في فلسطين، وعمل من اجل ذلك، وحين أدركت بريطانيا هدف الحملة الفرنسية، عملت هي الأخرى، وبعد موت نابليون على إحياء الخطة، طمعا في السيطرة على مساحات من أراضي الدولة العثمانية، وفي الوقت نفسه الاستحواذ على الطريق إلى الهند، وتأمينها. حين نقرأ بالوثائق الفرنسية والبريطانية، نرى أن المخطط القديم لم يمت، لهذا لم يكن وعد بلفور آتيا من فراغ، ولا اتفاق «سايكس- بيكو» أيضا، فالنخب في كلتا الدولتين، يومذاك، من المؤمنين بأفكار المتطرفين الذين شكلوا قوة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجرتهم عام 1620، وعملوا على تسويق أفكارهم بين النخب الأوروبية والغربية، والأمريكية. في كل هذا من الطبيعي أن يكون رد الفعل الإسرائيلي والأمريكي، والأوروبي عموما، شرسا على عملية «طوفان الأقصى»، وان تحشد تلك الدول أساطيلها ودعمها لتل أبيب، وتغض النظر عن المجازر الوحشية التي ترتكب في غزة والضفة الغربية، لأن العملية ضربت أساس المشروع الكبير، وقد أعادت إسرائيل إلى وضعها الطبيعي، وأنها مجرد كيان مصطنع لخدمة المصالح الغربية والأمريكية. اليوم وبعد مرور كل هذا الوقت على الحرب على غزة بدأت المواقف تتبدل، ورغم عدم الرهان على حملة الغضب الدولية الشعبية، لابد من القول إن الحل لا يأتي عبر الدبلوماسية، فالحلول البادرة، كما عهدناها في لبنان، أدت إلى فشل الدولة وزيادة الانقسام الشعبي، طائفيا ومذهبيا. ولهذا كان لابد من الحل الساخن، إذ يقول المثل الشعبي العربي «وجع ساعة ولا كل ساعة»، لكن السؤال: هل يقتنع الغرب والأوروبيون ان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني لا تموت؟ وقد اثبت التاريخ أن مقولة بن غوريون كانت غبية جدا، فالفلسطيني لم ينس قضيته، وهذا محمد ضيف يقول لنابليون: بضاعتكم ها هي ترد إليكم.