14 سبتمبر 2025

تسجيل

القط الأمريكي حين يحشر نفسه في زاوية

04 أبريل 2024

في كتابه «هجوم على العقل» يصف نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور كيف تصنع الولايات المتحدة الخوف، وتستخدمه من أجل تحقيق مخططاتها، وتعمل على اقناع العامة بالمشاركة في ذلك، وفيما هو يضع الحق على سياسة الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش الابن، فإنه يتناسى ان حزبه ايضا، والادارات الامريكية المتعاقبة الجمهورية والديمقراطية، كلها تنفذ تلك السياسة، وهي استراتيجية قديمة، قدم وجود الولايات المتحدة. لهذا حين نرى السلوك الأمريكي في المنطقة العربية خصوصا، والعالم عموما، لن نستغرب ذلك، لان الدولة التي قامت على المجازر في الهنود الحمر وقتلت ما يزيد على خمسين مليونا منهم، والتي قصفت مدينتين يابانيتين بالقنابل الذرية وقتلت فورا نحو ثلاثمائة اعزل، وابادت نحو مليون ومائتي الف عراقي، ونحو خمسين الف افغاني، واربعة ملايين مدني فيتنامي، ونحو مليون و500 ألف مدني في الفلبين، وكلها من اجل كذبة «اقامة نظام ديمقراطي» والدفاع عن «حرية الشعوب»، فلا نستغرب اليوم هذا الصلف في مناصرة الابادة الجماعية التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة، والتصفيات اليومية للفلسطينيين العزل في الضفة الغربية. في هذا الشأن نستعير من آل غور جملته الشهيرة في كاتبه «لقد جعلوا الذئاب الخاصة حرسا على حظائر الدجاج»، فعلا ان واشنطن في استراتيجيتها تستخدم هذه القاعدة في محاولة تنزيه الحلفاء، من جهة، وايضا العمل وفق قاعدة «العصا والجزرة» معهم، لكن عندما يصل الامر الى اسرائيل فهي تعود، وفقا لما كتبه آل غور في كتابه الى «روحية بناء الحقوق المدنية وفقا لنظرة توراتية يهودية»، وتعمل ايضا على تسويق ذلك من خلال الهيمنة على وسائل الاعلام، وتزيين الافعال السيئة عظيمة انها تخدم الانسانية، وهي بذلك تستخدم الدعاية في جعل المفاسد تعويضات نقدية، على شاكلة مساعدات، في الداخل والخارج. ثمة من يرى ان سياسة الولايات المتحدة في المنطقة «متهورة»، خصوصا بعد عملية «طوفان الاقصى»، وما نتج منها انهيار القوة الاسرائيلية التي راهنت عليها واشنطن منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال الحرب الباردة، ويقول لهذا حشدت اساطيلها في البحرين الابيض المتوسط والاحمر، واستنفرت بقية قواعدها في المنطقة، لانها خافت من فقدان اداتها العظمى الاقليمية قوتها، وبالتالي وجود اكثر من قوة يمكن ان تتفوق على تل ابيب، التي فشلت في التصدي لمنظمات مسلحة، ومنيت بخسائر لا يمكن تعويضها، خصوصا فيما يتعلق بالامان والثقة بين المستعمرين المحتلين لفلسطين، وهذا لا شك فيها الكثير من الصحة، لان الضعف الإسرائيلي يؤدي الى اعتماد الحلفاء على شريك افضل من الاسرائيلي والامريكي، بل لقد بدأت عملية الالتفاف هذه تؤتي بعض ثمارها، لكنها تحتاج الى زمن طويل كي تكرس تخليا عن القوة الامريكية والاسرائيلية. ولا بد من ملاحظة جدا مهمة وهي قاعدة غريزية، تنطبق على الدول والاشخاص والحيوانات، وهي «عندما تحشر قطاً في الزاوية فحتماً سيُهاجمك، ويتحول نمراً»، وهو ما عليه اليوم الولايات المتحدة التي حشرت نفسها في أكثر من زاوية، بدءاً من العراق والتدخل في سوريا، وصولا الى أوكرانيا ومحاولة استفزاز الدب الروسي، مرورا بكوريا الشمالية، وحتى حديقتها الخلفية امريكا الجنوبية التي قام عليها اساسا «مبدأ منرو»، لهذا هي كالقط الذي حاول اللعب بلفة صوف لكنه وجد نفسه أسير لعبته تلك، ولهذا انقلبت عليها صناعة الخوف، وباتت تعاني من «فوبيا» الضعف، وبسبب ذلك تضرب خبط عشواء، وتفتقد إلى استراتيجية تكمن التعويل عليها في دور سلمي، لان فاقد الشيء لا يعطيه.