14 نوفمبر 2025

تسجيل

حدود القوة

04 نوفمبر 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قد يتملك المراقب لما يجري من أحداث في الشرق الأوسط في العقد الأخير، الدهشة لتبلور حقيقة جديدة تتمثل بأن هناك حدودًا للقوة، فحتى الدول الكبرى التي تمتلك إمكانات عسكرية ضخمة وتستطيع الانتصار في الحروب العسكرية تفشل فشلا ذريعا في ربح معركة السلام. ولعل المثال الأبرز هو السهولة التي تمكنت من خلالها الولايات المتحدة الإطاحة بنظام صدام حسين والتي كانت مقدمة لترتيب جديد، غير أن واشنطن خسرت العراق الذي وقع تحت براثن السيطرة الإيرانية. ما يجري الآن في الموصل وحلب قد لا يختلف كثيرا، ففي حلب تحاول روسيا إحراز نصر عسكري بكل الطرق الممكنة، فتارة يعلنون هدنة لعل الثوار ينسحبون من حلب وتحقق بذلك روسيا إنجازا عسكريا عجزت عنه الآلة العسكرية الروسية، وتارة أخرى يتعمدون ارتكاب المجازر لدب الهلع في قلوب سكان المدنية لعلهم يغادرون. وفي الحالتين فإن روسيا تفشل في إقناع السوريين بالتصرف وفقا لإرادة الكرملين وحليفهم الأسد.في الموصل الأمر لا يخلو من التعقيد والمفارقات أيضا، فبعد أكثر من عام من استهداف داعش بالقوات الجوية الأمريكية، تضطر الولايات المتحدة القبول بالعمل عسكريا بجبهة تضم إيران والحشد الشعبي، فضلا عن حيدر العبادي الذي يراه الكثيرون دمية بأيدي إيران. والمفارقة أن واشنطن مضطرة أيضا للتواطؤ مع إيران في مسألة منع تركيا من المشاركة في معركة تحرير الموصل. فلم تمنح القوة العسكرية الجبارة لواشنطن ورقة ضغط على حلفائها في معركة الموصل، وهي بهذا تحاول حل أزمة الموصل بنفس الأدوات التي أنتجت الأزمة، وهي الاتكاء على الفرز الطائفي وميليشيات تابعة لإيران لحسم المعركة عسكريا.وعلى نحو لافت، لم تضع أمريكا ولا روسيا خطة سياسية للتعامل مع الواقع بعد "تحرير" الموصل وحلب، فالقوة العسكرية لن تترجم إلى نفوذ سياسي لأن هناك أطرافا إقليمية لها أجنداتها، وهي تمارس تأثيرا سلبيا يخلق كل عوامل عدم الاستقرار، فروسيا تُعرّف النصر بإبقاء الأسد رئيسًا مَهما غلا الثمن، علما بأنها لن تتمكن من إعادة تأهيله سياسيا، وعندئذ يمكن القول إن القوة الروسية ليست من دون حدود أيضا.سيكتب المؤرخون في المستقبل أن القوة العسكرية لواشنطن وموسكو في الشرق الأوسط وإن كانت كبيرة جدا، إلا أنها فشلت في التأثير على العقول والقلوب، فلا واشنطن قادرة على توظيف قوتها العسكرية المخيفة لإعادة ترتيب المنطقة، ولا روسيا قادرة على فرض بشار الأسد على كل السوريين أو كل سوريا، وفي الحالتين تفشل الدولتان في معركة الأفكار وتفشلان أيضا بفهم التحولات الكبرى التي طرأت على البنية الذهنية لشعوب المنطقة بشكل عام. باختصار، تُعرّف القوة بأنها دفع الآخرين على القيام بما تريد أو منعهم من القيام بما لا تريد، ووفقا لهذا التعريف فإن حدود القوة أصبح ظاهرا للعيان.