12 سبتمبر 2025

تسجيل

أوجاع لا تتوقف في المحروسة

04 نوفمبر 2013

أكتب عن أوجاع لا تتوقف وأحزان ممتدة، غابت البهجة عن قسمات الوجوه، أشعر أنني محاصر غارق حتى الثمالة في العدم، بينما الوجود يغادر المعمورة يا الله إلى هذا الحد يسكنني الوجع؟ أجل يا رفاق الرحلة، لم أتخيل أو أتصور أن يكون المنتهى ما نكابده الآن في المحروسة من سطوة الانقسام، سأقول لكم كيف. لي أسرة في جنوب مصر أنتمي إليها بقوة، رحت مؤخرا لبضعة أيام لأشاركهم البهجة بزواج شقيقي وزواج ابن أختي الكبرى من ابنة أختي الأصغر منها. كنت محتاجا للبهجة وهي في هذه المنطقة من الجنوب – مدينة القرنة الشهيرة التابعة لمحافظة الأقصر – تطلع من الأعماق في ظل صفاء سريرة البشر - لكني فوجئت بشدة في المواقف وتباين في الرؤى، ثمة من ينتمي لجماعة "الإخوان المسلمين"، وثمة من ينتمي للقوى الأخرى ولا تكاد جلسة حتى في لحظات الفرح تبدأ حتى تنتهي بخلاف سياسي يمزق أواصر قديمة ويحفر آبارا من عدم التسامح، ولكلٍّ معطياته وأدلته وتصوراته داخل البيت الواحد ربما الأب في ناحية والأم في ناحية أخرى، وكذلك الأبناء، ولأن القضايا الخلافية شائكة فإن النقاش لا يتم في هدوء، إنما يأخذ منحى متصاعدا ويصل الأمر إلى القطيعة. بالطبع ليس ذلك حال الجنوب فحسب ولكنه حال المحروسة، في المكاتب، في المقاهي، في النوادي، حتى في الشوارع ولعل البعض قرأ عن الزوج الإخواني الذي عذب زوجته وحبسها في غرفة ومنع عنها الطعام وظل لعدة أيام يوجه لها الضربات لأنها فقط أبدت إعجابها بأغنية تسلم الأيادي التي تمتدح موقف القوات المسلحة المصرية في انحيازها لخيارات الشعب ثم تمكنت هذه الزوجة من الهرب إلى أسرتها وبالطبع فسدت العلاقة بين الزوج والزوجة ودفع الأبناء الصغار الثمن وبهذه المناسبة كدت أبدأ طقوس فرح شقيقي بهذه الأغنية التي أعادتنا إلى زمن الأغنيات الوطنية الأصيلة في عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر – والتي يؤديها مجموعة من الفنانين المتميزين - لكني تراجعت مراعاة لمشاعر بعض جيراننا وأقاربنا الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وأحدهم محبوس على ذمة اتهامات موجهة له بأدوار لعبها خلال الأشهر الماضية، فضلا عن إمكانية وقوع مشاغبات من الفريق المناوئ. وثمة حكايات مريرة عن تداعيات أفضت إليها الخلافات، وهو ما ينبئ عن غياب مهارة التسامح وقبول الآخر، بل يمكنني القول إن ذلك مؤشر على عدم تجذر ثقافة الفعل الديمقراطي. على الرغم مما تتشدق به النخب التي تطالعنا وجوهها كل مساء عبر عشرات البرامج الحوارية في الفضائيات المصرية والعربية، وكل منها له أجندته وأهدافه التي تكرس حالة الانقسام في المشهد المصري. وحتى أكون منصفا فإن كرة الانقسام أخذت في التدحرج في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير بين قوى الثوار الذين فاقت ائتلافاتهم المئات، ثم ظهرت عشرات الأحزاب والجماعات حتى القوى الإسلامية طالها الانقسام غير أن شدة هذا الانقسام تجلت في أعقاب إصدار الرئيس المعزول محمد مرسي لإعلانه الدستوري الكارثي في أغسطس من العام 2012 والذي حاول فيه تحصين قراراته، فصارت مصر فسطاطين، أو بالأحرى عدة فسطاطات- إن صح هذا الجمع لمفردة فسطاط- وهو ما أفضى إلى حالة سيولة سياسية وتصلب في المواقف والرؤى قادتنا إلى الحالة الراهنة ودفعت بمرسي وجماعته إلى الدخول في مواجهات مع أغلبية القوى الوطنية والمدنية، خاصة بعد أن تمدد داخلهم الشعور بغطرسة السلطة والقدرة على تطبيق مشروع تمكين الجماعة من حكم مصر. دون إدراك أن المحروسة عصية على أن يحكمها أو يتمكن منها فريق أو فصيل أو جماعة بعينها، فهي لا تحكم إلا عبر توافق وطني بين قوى متعددة على نحو يقوم على قواعد تكرس احترام المواطنة أو قل هذا هو المبتغى والمطلوب والمنشود بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. ولاشك أنه لا يبدو في الأفق ما يشير إلى إمكانية تجاوز هذه الشدة في الانقسام وتباعد المسافات بين القوى السياسية الوطنية والإسلامية في المحروسة، لاسيَّما بعد فشل كل المبادرات التي طرحت مؤخرا لإيجاد نافذة للمصالحة الوطنية الشاملة. بسبب تمسك كل طرف بمواقفه الحادة خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي ما زالت تصر على عودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى السلطة وإعادة مجلس الشورى ودستور 2012 والمصحوبة بتظاهرات تقض مضاجع البشر والأمكنة وتحاول أن تخترق المنشآت الحيوية مثل إدارات الجامعات ومشيخة الأزهر ومقار المحافظات. فضلا عن قطع الطرق وإيذاء مصالح الناس وفي الوقت نفسه تستمر السلطة الانتقالية في موجة اعتقالات لقيادات الجماعة وعناصرها في مختلف المحافظات. وكل ذلك يصب سلبا في أي سبيل يتم فتحه لحراك سياسي يسد أبواب الدماء ويقف حائلا دون تمدد حالة الكراهية المتبادلة، التي باتت ملمحا واضحا في الشخصية المصرية خلال الأشهر الفائتة بالطبع ليس ثمة حل سحري لهذه الإِشكالية في المحروسة التي ألقت بظلالها سلبا على أحوال الناس. فهناك الانفلات الأمني الذي ما زال يفرض هيمنته في ظل استغراق أمني في محاربة ما يسمى بالإرهاب. وهناك الوجع الاقتصادي والاجتماعي الذي ما زال يراوح مكانه دون أي حلحلة للأمام . متجسدا ذلك في ارتفاع استثنائي في أسعار السلع والخدمات وعدم قدرة السلطات الحكومية على كبح جماح التضخم وتقديم مبادرات جادة باتجاه تعظيم القدرات الإنتاجية الوطنية والاكتفاء بالحصول على مساعدات عربية وهي مقدرة، لكنها لا ينبغي أن تشكل بمفردها عنصر الحل الذي من الأهمية بمكان أن ينبع من الداخل المحتاج فقط إلى إرادة وتجاوز حالة الارتعاش والتردد التي تفرض سطوتها على حكومة الدكتور حازم الببلاوي، الذي يبدو أنه يتبنى طروحات ورؤية اقتصادية غير واضحة مبهمة وغامضة على حد تعبير أحد خبراء الاقتصاد. وفي ضوء كل ذلك، فإن الإسراع بتطبيق خارطة الطريق على نحو يقود إلى بناء مؤسسات الدولة المصرية وفقا لمرتكزات الشفافية والموضوعية والنزاهة كفيلة بإعادة الحيوية لدى شعب المحروسة وفي الوقت نفسه الاهتمام بمعضلاته اليومية التي يكابدها وهو صابر وصامد ولكنه لا يقبل أن ينتظر طويلا. السطر الأخير: أدق لك أجراس العشق في المبتدأ عيناك وفي المنتهى قصيدتك عبرت البراري تجاوزت المسافات هو أنت صفحة بالنيل أم رحلة ربيع آت