14 سبتمبر 2025
تسجيلمن الصفحات البيضاء التي كتبها التاريخ بأحرف من نور، تلك التي تروي الدور الذي قام به طلاب مصر في مواجهة الظلم والطغيان سواء كان طغيان الاحتلال أو طغيان الاستبداد، فهما لا يختلفان إن لم يكن طغيان الاستبداد أشد. وقد لعب الطلاب دورا مهما في مواجهة الاحتلال الإنجليزي الذي ظل جاثما على صدر البلاد لأكثر من سبعين عاما. ففي 9 فبراير من عام 1946، اندلعت مظاهرات واحتجاجات طلابية عارمة ضد قوات الاحتلال للمطالبة بإلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي 1899 الخاصتين بالسودان وضرورة جلاء القوات البريطانية فورًا. حيث خرجت من جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًّا) أضخم مظاهرة عرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية، فعبرت شارع الجامعة، ثم ميدان الجيزة إلى كوبري عباس، وكانت المظاهرات تسير في نظام تام دون اعتداء على أحد ودون التعرض للممتلكات أو جنوح نحو التخريب (تماما مثل المظاهرات الحالية ضد الانقلاب). فإذا ببعض السيارات العسكرية البريطانية المسلحة تخترق الميدان وسط الجماهير فجأة لتدهم بعضهم تحت عجلاتها. وما أن توسطته حتى حاصرها البوليس من الجانبين وفتح الكوبري عليها وبدأ الاعتداء على الطلبة فسقط البعض في النيل وقتل وجرح أكثر من مائتي طالب. وفي ذات اليوم حدثت مظاهرة في المنصورة أصيب فيها 7 شبان و3 جنود، واعتقل أربعة، كما اعتقل عدد من الشبان في أسوان. وفي اليوم التالي عمت المظاهرات القاهرة والأقاليم. وفي يوم 11 فبراير صادرت الحكومة الصحف التي كانت تنشر أخبار المظاهرات وحوادث الاشتباك مع البوليس، ولم يمنع ذلك الهيئات المختلفة من الاحتجاج على القمع الحكومي للمظاهرات، فأعلن الاحتجاج اتحاد خريجي الجامعة واتحاد الأزهر وكلية أصول الدين ولجان حزب الوفد بالأقاليم ومصر الفتاة والفجر الجديد، وهي جماعة يسارية ذات صلة قوية بالحركة العمالية في ذلك الوقت. وقد سارعت الحكومة بإصدار قرار بتعطيل الدراسة ثلاثة أيام (تماما كما تفعل الآن)، لكن هذا لم يمنع من استمرار اتساع الأحداث في القاهرة والإسكندرية وبور سعيد وشبين الكوم والزقازيق والمحلة الكبرى وطوخ وأسيوط والإسكندرية. والآن، يعيد الطلاب أمجاد الماضي ويسطرون صفحة جديدة من صفحات التاريخ في مواجهة قوى الاستبداد والطغيان (الجيش والشرطة ومن يواليهم) الذين لا يختلفون كثيرا في أهدافهم عما أرادته قوات الاحتلال في الماضي. حيث ينتفضون في مظاهرات حاشدة في طول البلاد وعرضها، يطالبون بإسقاط الانقلاب الذي يعتبرونه مرادفا للاحتلال، وإن كان الاحتلال تعامل معهم في الماضي برحمة أكثر مما يتعامل الانقلابيون الآن، حيث يقتلونهم في الشوارع والمدارس والجامعات. ولا شك أن هذه المظاهرات الطلابية التي تخرج صباح مساء، وبدأت في الدعوة إلى حشد غير مسبوق يوم السادس من أكتوبر ذكرى النصر الذي أسهمت فيه قبل أربعين عاما، سيكون لها الدور الأكبر في إسقاط ذلك الانقلاب في ذلك اليوم الذي يتوقع أن يكون مشهودا وتتلوه أحداث كبرى تقضي على ما تبقى من قوى الاستبداد والظلام.