17 سبتمبر 2025
تسجيلفي عصر يوم كان يحمل رائحة قدوم الشتاء في أجوائه، كنت أسير وحدي في ميدان "العتبة الخضراء" بالقاهرة.. كانت خطواتي تبدو رتيبة ومنكسرة، لأني كنت أنوء بما أحمله من إحباطات وانكسارات ذاتية، ممتزجة بالإحباطات العامة التي كان ينوء بحملها كل مواطن عربي منذ أن حلت كارثة الخامس من يونيو عام 1967. وفجأة شاهدت من بعيد كتلة بشرية متلاصقة الأجساد، وتراءى لي أن هذه الكتلة تتراقص فرحة مستبشرة، فانطلقت خطواتي الرتيبة المنكسرة بدافع حب الاستطلاع لمعرفة سر سعادة هذه الأجساد البشرية المتراصة والمتلاصقة.. اندسست داخل الكتلة البشرية، فوجدت نفسي أرقص أنا الآخر.. وكأن كل ما يثقل روحي من إحباطات ذاتية وعامة قد تبخر في الهواء.. وكأنني ولدت من جديد صفحة بيضاء، خالية من الكدر.. كانت الكتلة البشرية تستمع من خلال "الراديو" وتشاهد من خلال "التلفزيون" ما كان يبدو نوعا من الأحلام التي لا تتجسد على أرض الواقع. كانت هذه الكتلة تنصت للبيان العسكري الأول الذي يعلن عبور قواتنا المسلحة قناة السويس ويؤكد أن خط "بارليف" قد تم قهره وأن العلم المصري قد ارتفع خفاقا عزيزا على الضفة الشرقية من قناة السويس.. وكان هذا اليوم هو يوم السادس من أكتوبر 1973. اكتشفت فيما بعد أن الكتلة البشرية التي اندسست بين أفرادها لم تكن هي الوحيدة.. لقد تحول العالم العربي يومها إلى كتل بشرية سعيدة مستبشرة، كانت كل الأرواح والأجساد العربية من المحيط إلى الخليج قد غسلت تماما من إحباطاتها الذاتية ومن إحباطات ما حدث يوم الخامس من يونيو 1967. لم يكن السلاح العسكري وحده هو الذي قهر الصهاينة.. فلقد شارك سلاح النفط هو الآخر ولعب دوره الفعال في المعركة.. ولأول مرة يجد العالم نفسه أنه أمام قوة عظيمة كانت كامنة.. لكنها انطلقت في هيئة شرارة.. معلنة أحلى بشارة.. بشارة أن ينتصر العرب على مغتصبي الحق والأرض للمرة الأولى. والآن.. ها هي الإحباطات الذاتية ممزوجة بالإحباطات العامة تثقل أرواحنا جميعا نحن العرب.. فهل يأتي يوم جديد في المستقبل المنظور نجد فيه أنفسنا وقد تخلصنا من هذه الإحباطات؟. متى تنزاح الظلمة عنا ونرى النور يغمر أعماقنا وآفاقنا؟