19 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا وروسيا..والأزمة السورية

04 سبتمبر 2016

العلاقات الروسية - التركية تأزمت بعد الأحداث التي حصلت في سوريا في أحداث الربيع العربي 2011، وجاءت تداعياتها على مجمل الأوضاع العربية والدولية، فقد كانت روسيا مع النظام في سوريا منذ حرب الباردة، وضمن المعسكر الشرقي آنذاك، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت روسيا الاتحادية بالانكفاء على نفسها لعدة عقود، بعد تفكك دول الاتحاد سابقًا، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وبعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين للحكم في روسيا، في التسعينيات، بدا وكأنه يريد إعادة مكانة الاتحاد السوفيتي الدولية، ويستعيد الدور نفسه في المنطقة، التي أصبح للدور الأمريكي والغربي، الدور الأكبر فيها، وبدأت روسيا في التحرك في قضايا الدول التي كانت ضمن معسكرها السياسي والعسكري، بما في ذلك الدول السابقة في حلف وارسو، وكذلك الدول التي ضمن هذا المعسكر في فترة الحرب الباردة، وكانت علاقات روسيا وتركيا جيدة من الناحية الاقتصادية، بحكم الجوار الجغرافي، لكن تركيا ترتبط مع المعسكر الغربي منذ قيام الدولة العلمانية، وانتهاء الخلافة الإسلامية، وضمن حلف الناتو، إلى جانب العلاقة الاقتصادية كبيرة بينهما، لكن الأزمة السورية، أسهمت في توتر العلاقات بينهما، فتركيا ليست راضية عن النظام في دمشق، بعد تعامله مع المعارضة، بعد المطالبات الشعبية بالإصلاح السياسي والاقتصادي، واتخذ ـ كما تقول تركيا ـ موقفًا قمعيًا فظيعًا، لم تسبقه أي من دول الربيع العربي، إلى جانب أن بعض أركان المعارضة السورية المعتدلة، يعيشون ويتحركون في العاصمة التركية، ووجود ملايين السوريين اللاجئين على الحدود التركية السورية، كما أن تركيا تريد حلا من دون الأسد، أو دورًا مؤقتًا حتى تجري الانتخابات، بعد انتهاء النظام، وتسبقه حكومة ائتلافية من كل الانتماءات السياسية، لكن روسيا، ليست متجاوبة مع إنهاء هذا النظام، والإتيان بنظام جديد، يكون مواليًا لأمريكا والغرب، وتعود سوريا ضمن المعسكر الغربي، كما كانت العراق بعد احتلاله عام 2003، لكن العلاقة التجارية والسياسية بقيت مستمرة، لكن العلاقة السابقة بقيت جامدة ولم تكن متفاعلة بشكل أكبر كما كانت في العقود الماضية.لكن الأزمة الأشد بينهما، جاءت على خلفية سقوط الطائرة الحربية الروسية، التي دخلت الحدود التركية، وتم إسقاطها من صاروخ وهي في الجو، وهذا ما جعل روسيا تشتد غضبًا من تركيا، وتوعدت حتى بالانتقام، لكنها لا تستطيع أن تقوم بأي عمل عسكري ضد تركيا، لأن الاختراق الجوي يعد مخالفة قانونية واضحة، كما أن تركيا في حلف الناتو، وهذا ما جعل الولايات المتحدة ودولا غربية، تقف مع وجهة نظر تركيا في موضوع إسقاط الطائرة، لكن الأمر الأكثر مفاجأة للجميع، كما جاء في بعض التقارير، أن إسقاط الطائرة الروسية تم بإيعاز من جماعة فتح الله جولن، التي قامت بالانقلاب الفاشل في تركيا في 15 يوليو الماضية على النظام القائم، والسبب كما تقول بعض التحليلات، إيجاد ذرائع لتوتر علاقات النظام مع روسيا، لإثارة الرأي العام ضدها، وإظهارها بأنها تثير التوترات مع الدول الأخرى، ويكون مدعاة لنجاح الانقلاب، وتأييده، وهذا ما ظهر بعد سقوط الانقلاب، وظهور بعض التحقيقات، تؤيد نظرية المؤامرة في سقوط الطائرة الروسية، وقد قامت السلطات التركية باعتقال الطيار الذي أسقط الطائرة ومساعده، وهو ما دعا الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تقديم اعتذار رسمي للحكومة الروسية بعد ذلك، ولاشك أن العلاقات التركية - الروسية بدأت بالتحسن بعد زيارة الرئيس أردوغان لموسكو قبل عدة أسابيع، وهذا سيكون في صالح الدولتين اقتصاديًا وسياحيًا، ويتوقع البعض أن الخلاف حول سوريا، قد يتقارب بينهما، بما يسهم في الحل السلمي مستقبلًا إن تقاربت وجهات النظر، خاصة أن الشعب السوري يعاني معاناة كبيرة، من جراء هذه الحرب المستعرة منذ 5 سنوات، وهذا الدمار والقتل يوميًا، ويرى بعض المحللين، أن هناك مصلحة مشتركة في تقارب الدولتين من بعضهما البعض، لكن هناك بعض المواقف المتباعدة في الأزمة السورية التي لا تزال غير متقاربة حتى الآن، وتتعلق المطالب الروسية بضرورة إغلاق الحدود التركية /السورية، ومنع أي أسلحة إلى الجيش الحر، وبقية الفصائل السورية المسلحة، وهو ما تعتبرهم روسيا مجموعات إرهابية، بعكس تركيا التي لها موقف آخر مع المعارضة المعتدلة، وهو نفس الموقف الأمريكي والغربي عمومًا. وفي المقابل يركز الجانب التركي على ضرورة التعامل مع ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) باعتبارها فرعًا من حزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا إرهابيًا منذ عدة عقود ولا تزال. لكن الجانب التركي مؤيد للتعاون مع روسيا، من أجل محاربة تنظيم داعش، لمنعه من تنفيذ هجمات إرهابية في الداخل التركي، وهو ما جعل تركيا منذ عدة أيام تقوم بحملة عسكرية في الحدود السورية ومقاتلة التنظيمات الإرهابية في منطقة جرابلس، وغيرها من القرى السورية لمنعها من شن هجمات انتحارية في الداخل التركي، لكن الموقف التركي، يعتبر أن المفتاح لحل الإشكال الرئيسي يكمن في إقصاء الرئيس الأسد، والدائرة المحيطة به من السلطة في المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذي لا تتفق معه موسكو بصورة كاملة، لكنها تحاول أن تضع بعض الأفكار التي تجعل للنظام مشاركة في الحكم مع المعارضة المعتدلة. ويرى الكتاب أحمد دياب عن الخلاف بين تركيا وروسيا "أن القوي الغربية و"الناتو"‬في حيرة من أمرهما. فهما، من جهة، ملزمان بحكم ميثاق الحلف الأطلسي بالتضامن مع تركيا، والدفاع عنها، كما أنهما بحاجة إليها في استقبال اللاجئين للحيلولة دون لجوئهم لأوروبا.‬ولكنهما في حاجة أيضا إلى روسيا في تسوية الأزمة السورية، وفي الحرب علي "داعش"، لاسيَّما أن القوي الغربية توصلت إلى اقتناع، فحواه أنه لا حل في سوريا من دون إشراك روسيا وإيران. وقد تقربت فرنسا كثيرا من روسيا، عقب هجمات باريس في‮ 13‬نوفمبر‮2015، وأصبحت تعترف بروسيا شريكا في الحرب علي "داعش"، بل وتنادي بائتلاف دولي واحد، مما يعني شرعنة التدخل الروسي في سوريا من منظور‮غربي. ومن جهة أخري، هناك دول أعضاء في‮"الناتو"‬ممتعضة من السياسة التركية حيال الأزمة السورية، ومن توظيفها لها لتصفية حساباتها مع الأكراد، ومن التوجهات التسلطية لحكومة أردوغان.‬وهكذا،‬يبدو موقف‮"الناتو"‬معقدا،‬مثله مثل موقف تركيا وروسيا اللتين أربكهما تصاعد الصراع بينهما".‬العلاقات الروسية/التركية، سوف تسير سيرًا جيدًا في قضية المصالح المتبادلة بينهما، لكن تظل المشكلة السورية، مثل الحجارة الكبيرة الصماء التي لا تستطيع إزاحتها بالسرعة المطلوبة، ولا بقاؤها سيكون مفيدًا ومريحًا.