15 سبتمبر 2025

تسجيل

التطهير العرقي وحرب الحدود

04 سبتمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا نذيع سراً إن قلنا إن مجمل ما تقوم به قوات بشار الأسد والإيرانيون وقوات حزب الله ينحدر إلى مستوى التطهير العرقي للسوريين السُنة وفي ذلك استحضار لفصول قبيحة من كارثة التطهير العرقي التي حلت بالشعب الفلسطيني على أيدي الصهاينة أثناء الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. وعلى نحو لافت تسعى إيران إلى طرد مئات الألف من السوريين السُنة من دمشق دعما لقوات بشار الأسد التي لم تعد تقوى على الصمود. فعلى العكس مما تقوله إيران بأنها معنية بوحدة الأراضي السورية، يبدو جليا أنها تدعم حرب الأسد الذي بدوره يسعى إلى التقسيم وهو بذلك يريد أكبر قدر من الأرض المحيطة بدمشق من دون سنة لتكون جزءا من دويلة علوية يرى بأنها الخيار الأقل سوءا. وتخوض القوات الموالية لإيران الآن معركة الزبداني التي بدورها تدور حول تفريغها من أهلها السُنة. ويظهر تقرير مرعب نُشر في صحيفة القدس العربي قبل أيام قليلة أن الفرع "215" وهو أحد الأذرع العسكرية لنظام بشار الأسد قد بدأ بعمليات هدم منازل آلاف العائلات من السوريين السُنة في حي المزة بالعاصمة دمشق، ومن شأن هذه الخطوة التطهيرية أن تؤثر على ما يقارب من 200 ألف سوري! ما يجري في المزة وغيرها يبرهن بأن إيران ومليشيات حزب الله غير معنية بحل سياسي بقدر ما يؤمنون بخلق واقع جديد على الأرض يساعد بشار في معركة التقسيم، وحتى المفاوضات التي جرت حول الزبداني قادتها إيران وكان مطلبها الرئيسي هو نقل عائلات السنة خارج الزبداني، فهي لم تكتف بمطالبة المقاتلين مغادرة الزبداني بل تريد أيضا طرد المدنيين، فبالنسبة لبشار وإيران وحزب الله فهنالك منطقة واحدة تعتبر جوهر المسألة وهي دمشق وحمص والساحل، وهذه المناطق ينبغي أن تكون داخل دويلته لكن من دون سُنة. اللافت أن مسار الصراع يتخذ اتجاها مختلفا، وهو اتجاه يقوم على تأمين حدود أثنية (أي حدود متواصلة جغرافيا لتكون نواة لكيانات أحادية التكوين). فهناك خمسة كيانات تسيطر على سوريا التي نعرفها، فهناك مليشيات بشار في منطقة الغرب، والمعارضة المعتدلة في الجنوب، وائتلاف الثوار الذي يشمل أيضاً النصرة في الشمال وداعش في الشرق والأكراد في الشمال الشرقي لسوريا. ومع أن الأسد والمعارضة يتحدثون ضد التقسيم إلا أن ما يجري على أرض الواقع يشي بشيء آخر. ربما من المبكر الحكم على نتيجة محاولات تغيير التركيبة الديموغرافية، لكن من الواضح أن إيران بدت مقتنعة بأن التقسيم هو الخيار المتاح والمقبول للحفاظ على أوراقها وتبعية الدويلة العلوية لها، وهنا تأتي المناطق القريبة من دمشق كساحة حرب لترسيم حدود ديموغرافية بين مكونات المجتمع السوري وهو أمر تحاول إيران فرضه بقوة السلاح. ما كان لإيران أن تستمر بهذا المخطط لو أن حليفها الأسد كان على قدر المسؤولية وحقق الانتصار، وما كان لإيران أن تلجأ لمثل هذا التكتيك لو أن الولايات المتحدة لم تمنع من سقوط بشار الأسد في كل مرة كان على شفير السقوط، فبالنسبة لإدارة أوباما فإن الأولوية هي للقضاء على تنظيم داعش في وقت تدس رأسها في الرمال ولا تريد أن تفهم بأن بقاء بشار وحربه على الشعب السوري هي من يعطي القوة لداعش. والنقد لهذه السياسة الأمريكية لا يقتصر على حلفاء الشعب السوري بل حتى داخل الولايات المتحدة نفسها وهو ما أفادت به هيلاري كلينتون في كتابها "خيارات صعبة" وكذلك روبرت فورد الذي شغل منصب سفير أمريكا في سوريا. وبلغ الهوس الأمريكي بمحاربة داعش حدا دعا فيه الجنرال ديفيد بترويس تسليح جزء من النصرة لمحاربة داعش! طبعاً منظر آلاف السوريين اللاجئين الذي تركوا بلادهم مخاطرين بحياتهم في البحار لم يقلق إيران طالما أن المهاجرين واللاجئين هم من السوريين السُنة، وربما ترقص طربا وهي ترى أوروبا مهتمة باستيعابهم وتسهيل دخولهم، فالدول الأوروبية مازالت تابعة للمقاربة الأمريكية التي أخفقت في فهم أن إنهاء الأزمة السورية يستلزم إلحاق هزيمة نهائية ببشار الأسد وقوات حزب الله وإيران، وهي مهمة ليست صعبة إن قام الغرب بتزويد الثوار بالسلاح المناسب وقام بتحييد سلاح الجو السوري. بكلمة، خطوط الصراع الحالية قائمة على تصورات ديموغرافية، ولتحقيق ذلك ستستمر إيران (التي لا تدفع ثمناً لدورها) في لعبة التطهير العرقي بحجة تثبيت محور "المقاومة" مع أننا نعرف جيدا أن القضية ليست متعلقة بإسرائيل ولا بموقفها. وهنا تتجلى المفارقة بأبشع صورها عندما تقلد إيران إسرائيل في سياسة طرد السكان، فهذا التطهير الممنهج يذكرنا بخطة دالت التي وضعتها القيادة الصهيونية قبيل اندلاع حرب عام 1948 لضمان خلو الأراضي التي تقع تحت أيدي القوات اليهودية من الفلسطينيين وهنا تستنسخ إيران وميلشيات الأسد وحزب الله المنهج الإسرائيلي في تفريغ الأرض من أصحابها. فهدم البيوت هو تكتيك صهيوني لمنع إمكانية عودة صاحب البيت إلى بيته في قادم الأيام، وهو أمر يجري على قدم وساق في دمشق!.