12 سبتمبر 2025

تسجيل

معالجة ارتفاع الأسعار

04 سبتمبر 2011

تحالفات احتكارية هائلة سيطرت على قطاعات واسعة عبر القارات يشكل الارتفاع الكبير في الأسعار على المستوى العالمي، وبالأخص أسعار المواد الغذائية إحدى الظواهر الملفتة للنظر في فترة ما بعد الحرب الباردة، علما بأن ارتفاع التضخم صفة ملازمة للنظام الاقتصادي، إلا أن الزيادات الفترات السابقة تمت بنسب تتناسب وارتفاع المؤشرات الاقتصادية والمعيشية الأخرى، كزيادات الرواتب والأجور وتكاليف المعيشة بوجه عام. ما يحدث في عالم اليوم صورة مختلفة تماما، ففي السابق كانت البلدان الغنية تستطيع استيعاب معدلات التضخم، بل إنها تمكنت من رفع مستويات المعيشة على مدى سنوات طويلة وأخضعت معدلات التضخم للرقابة، سواء من خلال متابعة الأسعار أو من خلال الأدوات المالية والنقدية التي تم تسخيرها لخدمة التنمية. لقد انتقلت العديد من القطاعات الإنتاجية المهمة في العقود الثلاثة الماضية من ملكية الدولة إلى ملكية القطاع الخاص في البلدان المتقدمة، وذلك ضمن سياسة الخصخصة التي اتبعت في الغرب، مما ولد تحالفات احتكارية هائلة استطاعت السيطرة على قطاعات واسعة عبر القارات تمكنت من خلالها الهيمنة على مرافق الإنتاج والتجارة والتحكم في الأسعار وفرض أسعار مرتفعة لتحقيق أرباح خيالية. وإن كانت أسعار بعض السلع الكمالية يمكن للمستهلك التعامل معها من خلال التقشف أو الحد من استهلاكها، فإن هناك سلعا لا يمكن الاستغناء عنها، كالمواد الغذائية والأدوية والتي ترتفع أسعارها للأسف بمعدلات تفوق غيرها من السلع، وذلك لمعرفة الاحتكارات الأكيدة باستحالة الجوعى والمرضى الاستغناء عنها. وتزداد المشكلة تعقيدا في البلدان التي تعتمد بصورة شبه كاملة على الواردات في تلبية احتياجاتها من الغذاء والدواء، كالبلدان العربية، إذ إن موجات الغلاء شكلت أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور المستويات المعيشية، وبالتالي تحولها إلى احتجاجات في هذه البلدان. وإذا كانت البلدان العربية قد وقفت عاجزة أمام ارتفاع الأسعار بسبب تواضع مواردها المالية واعتمدت بصورة أساسية على المساعدات الخارجية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي بذلت جهودا متواصلة لرفع مستويات المعيشة والحد من التضخم، حيث قامت كل من دولة الإمارات والكويت وقطر بزيادة الأجور في وقت سابق، كما فعلت ذلك المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ومملكة البحرين التي أعلنت الشهر الماضي عن زيادات في الأجور بنسبة كبيرة بلغت 37%. وعلى الرغم من أهمية هذه الزيادات في التخفيف من حدة تأثيرات هذه الظاهرة على مستويات المعيشة، إلا أن استمرار ارتفاع الأسعار عالميا يتطلب إجراءات إضافية إلى جانب زيادة الرواتب والأجور، كالسماح للجمعيات التعاونية ومراكز التسوق العامة بالاستيراد المباشر لكسر الاحتكار وتنمية دور جمعيات حماية المستهلك للحد من تأثيرات العوامل الداخلية في ارتفاع الأسعار. وفي هذا الصدد تسعى سلطنة عمان إلى سن قانون يمنع المورد من رفع سعر سلعة أو خدمة، إلا بعد الحصول على موافقة من الهيئة العامة لحماية المستهلك، إذ يترتب على المورد وفق القانون المقترح أن يتقدم بطلب للهيئة لرفع سعر السلعة أو الخدمة، على أن يقدم الأسباب التي تبرر الزيادة المقترحة في السعر. وتكتسي تجربة الكويت في مجال عمل الجمعيات التعاونية أهمية لمثل هذه التوجهات، كما أن تجربة وزارة الاقتصاد في دولة الإمارات والخاصة بمراقبة الأسواق أعطت بعض النتائج الإيجابية، وبالأخص بعد أن تم فرض غرامات على 200 متجر للبيع في شهر رمضان المبارك بسبب عدم التزامها بالأسعار التي حددتها الوزارة لتشكل خطوة نحو كبح جماح ارتفاع الأسعار. أما تجربة السعودية والبحرين، فإنها تساهم في التخفيف من تأثيرات ارتفاع الأسعار من خلال الدعم المقدم للسلع الأساسية، كالمواد الغذائية والأدوية، في الوقت الذي تزيد فيه قطر من حجم الإعانات المقدمة. من ذلك يمكن القول إن تجارب دول مجلس التعاون تكمل بعضها البعض، إلا أن تطبيقها بصورة مجزأة، في الوقت الذي يمكن فيه تنسيق عملية مواجهة ارتفاع الأسعار بشكل جماعي من خلال تبادل التجارب الناجحة وتنسيق الاستيراد المشترك الذي يقتصر في الوقت الحاضر على الأرز ليشمل سلعا أخرى ذات أهمية كبيرة للمستهلكين في دول المجلس، كالطحين واللحوم والزيوت والأدوية. ويشكل مثل هذا التوجه أهمية بالغة للتحكم في ارتفاع الأسعار والتخفيف من وطأته على المستهلكين، مما سيساهم في استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويزيد من استقطاب المزيد من الاستثمارات للأسواق الخليجية من خلال رفع قدراتها التنافسية.