10 سبتمبر 2025

تسجيل

إيذاء الإنسان رياضة ! ما يصير

04 يوليو 2023

في الملاكمة، ترى فحلين بشريين يتباريان في كيل الضربات لبعضهما البعض فتصبح الجماهير منتشية، وقد يسقط أحد الفحلين قتيلاً أو مصاباً بارتجاج في المخ، فتزداد هالات المجد حول من صرعه اتساعاً ووهجاً. لماذا يعتدي شخص على آخر عمداً، ومع سبق الإصرار والترصد فيعتبرونه بطلاً؟ بينما القانون الإنجليزي - مثلا – ينص على عقاب الأم أو الأب الذي يضرب طفله ليؤدبه نشر بعض الأطباء النفسيين مؤخرا تقريراً يقول إن الأطفال الذين يتعرضون إلى الضرب يصبحون عدوانيين واولي نزعات إجرامية. ولو كان فيما قالوه مثقال ذرة من الصدق والحقيقة لكان صاحب هذه السطور نزيل سجون وادي النيل والخليج العربي منذ سنوات، لأن الضرب كان على أيامنا «ضرورياً» مثل الوجبات الغذائية، استغفر الله الوجبات لم تكن منتظمة ولكن الضرب كان مقنناً ومنتظماً. لم يكن ضربا مبرحا، ولكنه كان بمثابة الوجبة اليومية الخفيفة بل لو كان ما يقوله أولئك الأطباء صحيحاً لكان جميع أهل قريتنا أعضاء في المافيا. كان من حق أي شخص فوق الخامسة عشرة أن يضرب من يصغرونه إذا اعتقد أنهم أساءوا الأدب، وإلى يومنا هذا فإن قريتنا لم تعرف «الشرطة» ولا «الحكومة»، لا سرقات ولا عنف ولا أمراض نفسية. وردّي القاطع على ذلك التقرير هو أن البشرية لم تعرف المناخوليا والبارانويا والشيزوفرنيا والهايبوكوندريا إلا بعد ظهور الطب النفسي، وقد يعني هذا أن الأطباء النفسيين هم الذين نشروا تلك الأمراض، فقبل ظهورهم وظهور نظرياتهم كان المجتمع خالياً من المختلين عقلياً بفضل جمهور «الأولياء» الذين كان يتولون تقييد كل من يخرج عن مألوف السلوك كي لا ينقل شياطينه إلى «الأصحاء»، وكانت حفنة من البخور و « الشخابيط» كفيلة بردع الشياطين ووضع حد لكيدهم. في صدر الشباب وبعد أن تأكد لي تماماً أنني لن أنجح في تحقيق التنمية الاقتصادية الذاتية بحيث لا أحتاج لأداء أي عمل، يتطلب الاستيقاظ في ساعة معينة، كتبت رسالة إلى محمد علي كلاي رحمه الله، أرجوه فيها أن يقبل منازلتي في حلبة الملاكمة لبضع دقائق، وأن يمهلني حتى الجولة الثانية ثم يضربني برفق لأدخل في غيبوبة أصحو منها وتحت وسادتي مئات آلاف من الدولارات التي كم أذلت من رجال. وختمت رسالتي: أخوك في الله، فلان بن فلان، ويبدو أنني تأخرت في كتابة تلك الرسالة، فبعد يومين من إرسالها شاهدت كلاي في التلفزيون وهو يهذي. نعم يهذي. ذلك الرجل الذي اشتهر بالثرثرة صار عاجزاً عن الاتيان بجملة مفيدة لأن الملاكمة أعطته الملايين وسببت له الشلل الرعاش. هناك أناس بودّي لو أقضم أنف الواحد منهم، ولكن القانون يمنعني من ذلك. وللأسف فلست مؤهلاً جسمانياً لممارسة الملاكمة كي أستدرجهم إلى الحلبات وأدمي أنوفهم فأصبح بطلاً و.. غنياً. ما علينا، لا داعي لأحلام اليقظة، وعلى كل حال فالملاكمة في نظري أيضاً مؤامرة إمبريالية!! كيف؟؟ هل رأيتم ملاكماً أبيض «عليه القيمة»؟ لا وكلا.. الامبريالية فصلت الملاكمة على مقاس السود واختارت لأبنائها وبناتها التنس والفروسية والألعاب غير القاتلة، وربما الهدف من المؤامرة هو القضاء على السود الذين اختاروا البقاء في الدول الغربية. وعلى كل حال فان أي شيء يستهدف السود لابد أن يكون مؤامرة لسبب بسيط، وهو أنني شديد الانتماء إلى السود بحكم انتمائي إلى البلد الوحيد في العالم الذي يوحي اسمه بأنه وطن السود، أعني بذلك السودان «الشغيغ»، وقد كفى الله السودان شرور الملاكمة بانضمامه إلى الجامعة العربية التي تُكالم ولا تلاكم. يعني جامعة تختص بشؤون الكلام من فصاحة وبلاغة ووو.. جامعة وديعة ومسالمة لا تهش ولا تنش ولو فعلت غير ذلك لتعرضت إلى اللكمات وتعرضنا معها إلى البهدلة. آخر تفانين الامبريالية هو استدراج اليمني نسيم حميد إلى حلبة الملاكمة. عندما حقق انتصارات أصبح «بريطانياً» وعند أول نكسة لفقوا له تهمة تهريب القات وحاولوا إعادته إلى مأرب!!.