03 نوفمبر 2025

تسجيل

أفلا تشكرون (2)

04 يوليو 2015

من فضل الله العظيم على عباده، أنّ شكرهم له تعالى على ما أوْلاهم إياه من نعم، سبب في المزيد منها، لقوله تعالى:(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد)، كما أنه أيضاً قيدٌ لها من التفلّت والضياع، قال في ذلك عمر بن عبد العزيز:(قيدوا نعم الله بشكر الله).مما يجب أن يعلم أن شكر الله المطلوب، ينبغي أن يكون بثلاثة أشياء، كما قال العلماء، شكر بالجَنان يَعْترِف بالنعمة باطناً، ويحمل المحبة لمنعمها، وشكر باللسان يتحدث بها ظاهراً بالثناء والحمد، وشكر بالجوارح- وهو أهمها- تستعين بالنعم وتستعملها في طاعة الله، وكفّها عن معاصيه، قال تعالى:(اعملوا آل داود شكرا)، بهذه الأشياء الثلاثة مجتمعة، يكون المسلم عبداً شكوراً بحق.أمّا من يشكر الله بلسانه، ولا يشكره بعمل جوارحه، فهذا مثله كمثل الذي يدعو إلى الخير، ويأمر بالمعروف، ولا يفعل منهما شيئاً، فهل يغني عنه ذلك شيئاً؟ كلا لا جرم، وأما من يعصي الله بنعمه - عياذاّ بالله- فهذا لا شك أنّه ممن كفر بنعم الله، وإن لَهِج لسانه بشكرها.اعلم أن إبليس اللعين، شغله الشاغل، وغايته التي عاهد نفسه عليها، أن يصرف الناس عن الشكر، قال الله تعالى حكايةً عنه:(ثم لأتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)، ومما يؤسف له أنه نجح إلى حد ما في سعيه هذا، إذ قال الله سبحانه:(وقليل من عبادي الشكور).ثمة أمران يحبهما الله عز وجل من عبده، ويعدّان شكراً للنعم أحدهما بلسان المقال، والآخر بلسان الحال، الأول هو التحدث بهذه النعم وذكرها، وبيان أنه في فضلٍ وخيرٍ من الله، لقوله جل وعلا:(يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم)- قال الناس ولم يقل المؤمنين؛ لأن نعم الله تغمر جميع خلقه المسلم منهم وغير المسلم- مهما ظن أن حاله أقل من أناس كثيرين، خلاف ما يفعله بعض الناس من إظهار الشكوى والتذمر والمسكنة، لغاية في نفوسهم، مع أنهم في حالة ميسورة، وألا إنّ من لا يشكرُ القليلَ، لا يشكر الكثير، وعلى المرء في ذلك الأخذ بالوصية النبوية التي تقول:(انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدرُ أن لا تَزْدروا نعمةَ الله عليكم)، ومن سننه عليه الصلاة والسلام، أنّ النعمة كانت تعظم عنده، وإن دقَت أي صغرت، الأمر الثاني، أن يظهر أثر نعمته على عبده، هذا هو شكرها بلسان الحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:(إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يَرى أثر نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس)، أي ادعاء البؤس.مما يتصل بشكر الله تعالى، شكر الناس، والثناء على معروفهم، وحفظ أياديهم، لقوله عليه الصلاة والسلام:(من لا يشكرُ الناسَ، لا يشكرُ اللهَ) وفي رواية:(إن أشكر الناس لله تبارك وتعالى أشكرهم للناس)، وقال أيضاً:(من صنع إليكم معروفاً فكافِئوه، فإن لم تجدوا ما تُكافئوه، فادعوا له حتى تَرَوْا أنكم قد كافَأتموه). وكما قال الشاعر المتنبي: (ومَنْ لكَ بالحُرِّ الذي يحفظ اليدا)، بل إن الحر الكريم يُتملك بالإكرام والإحسان على نقيض اللئيم: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمرداوصدق أحمد شوقي أمير الشعراء، إذ قال:وإذا الدنيا خَلْت من خيِّرٍ وخلت من شاكرٍ هانت هوانا