16 سبتمبر 2025

تسجيل

أهمية العدل والإنصاف

04 يوليو 2014

أواصل الحديث في هذه المقالة، عن معنى آخر من معاني الكِياسة والفطنة في المؤمن، ومظهرٍ آخر، من مظاهرها، تتجلى به العبقرية الفذة، للشخصية المؤمنة، وتبرز فيه دماثة خُلقه النبيل، ألا وهو خلق العدل والإنصاف، العدل الذي يتمثّل في أن تعطيَ كل ذي حقٍ حقه، عطاءً دائماً غير ممنون، والإنصاف الذي يعني أن تعطي كل ذي حقٍ ما يستحقه، عطاءً وافياً غير منقوص. وقِف ملياً عند هذه القصة، التي وقعت بين سلمانَ الفارسيّ وأبي الدرداء رضي الله عنهما، اللذين آخى بينهما النبي عليه الصلاة والسلام، وهي مروية في صحيح البخاري، وتعرّف منها على ما عليك من حقوق وواجبات:زارَ سلمانُ الفارسي أبا الدرداء، فرأى أم الدرداءِ متبذِّلةٌ - الدرداء اسم ابنتهما- فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا! فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاماً، فقال: كُلْ فإني صائمٌ، قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل، ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَمْ فنامَ، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصَلَّياً.. فقال له سلمان: إنّ لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حقٍ حقه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَر ذلك له، فقال النبي: (صَدَقَ سلمانُ).هذه هي العبقرية التي تميز شخصية المؤمن، وهذا هو الوصف الذي ينبغي أن يتصف به، وهو بحق من أجل وأشرف ما يزيّن خُلق الإنسان، فيه دليلٌ على صحة الإيمان، وعلامة على الخوف من الرحمن، وسمة على حب الخير والإحسان، إذ بالعدل والإنصاف، تسمو نفس المرء، وترتقي إلى الكمال، ومكارم الأخلاق، ويحققان لها العزة والشرف والكرم، عند الله تعالى، وعند الأنام.والعدل والإنصاف اللذان نتحدث عنهما، ينبغي أن يكونا ثابتين مستقرين على كل حال، لا تميل بهما الأهواء، ولا يتغيران مع تقلب الأحوال، بحيث يُقيم المرء العدل في حالتي الرضا والغضب، ويحقق الإنصاف في حالتي الحب والكره، بذا يصبح المرء عادلاً منصفاً، وكذا تستقيم معادلة العدل، وتستوي كفتا ميزانه، فلا ترجح إحداهما على الأخرى، استجابةً لدواعٍ نفسية مِزاجيةٍ هوائية.من كان يريد رضا الله جل وعلا، فليكن عادلاً منصفاً، ومن كان يريد رضا الناس فليكن كذلك، ومن أراد أن يبقيَ على صلات الأرحام، وأن يديمَ علاقات الأصدقاء، ويبني مثلها مع سائر الناس، لا سبيل له إلا العدل والإنصاف، وإنّ غيابهما لا يبقي ولا يذر من ذلك شيئاً، وضعفهما يؤثر فيه بحسب الضعف وعلى مقداره، خللاً ونقصا، وصدق المتنبي إذ قال:ولم تزلْ قلةُ الإنصاف قاطعةًبين الرجالِ ولو كانوا ذوي رَحِمِوقد جاء بهذا المعنى من قبله، الشاعر معن بن أوس المزني، من مخضرمي الجاهلية والإسلام في قوله:إذا أنت لم تَنصفْ أخاك وجَدْتهُعلى طَرَفِ الهجران إنْ كان يعقلُويركبُ حدَّ السيف من أنْ تُضيمهُإذا لم يكن عن شَفْرة السيفِ مَزْحَلُإنْ كان يعقل: أي إن كان له عقل، ومَزْحَل: اسم مكان من زَحَل عن مكانه، إذا تنحى عنه وتباعد.وقد جاء في الأثر: (لا خيرَ للمرء في صحبة من لا يرى عليه من الحق مثل ما يرى له).وفي ذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من أراد أن ينصف الناس من نفسه، فليحب لهم ما يحب لنفسه.رحم الله أحمد شوقي، الذي قال فأحسن القول بإيجاز مفيد، في أهم مبادئ الدين:والدينُ يُسْرٌ، والخلافة بيعةٌوالأمر شورى، والحقوق قضاءُ