16 سبتمبر 2025

تسجيل

إجازة العشر الأواخر

04 يوليو 2013

أيام ويهل علينا شهر الخير، وتبدأ نفحاته وروحانياته، حتى أن نهاره مختلف، وليله جميل هادئ رائق، ونسماته العطرة التي تبعث في الروح الهمة العالية، والسعادة غير المنتهية، فتروق النفس بالصيام، ويرتاح الجسد بالقيام، ويتغير وقت نوم المسلم وأكله، وزياراته لصلة رحمه، إنه رمضان شهر الخير والبركة والصيام.ومع رمضان تحل البركة في الطعام والمال، وفي رمضان تتقارب القلوب وتجتمع وتتآلف على حب الله وطاعته، وفي رمضان يكثر الخير والبذل والعطاء، وفي رمضان يكثر الأجر والعتق من النار. ورمضان شهر واحد فقط، يأتي بخير كثير ويمحو ذنوباً كثيرة، يأتي خفيفا ويذهب خفيفا، تمر لياليه سريعة لا نكاد نبدأ حتى نتفاجأ بانتصافه، ولا ننتصف حتى نتفاجأ بانتهائه، وكما أن لدينا مواسم طوال السنة تختص بنعم معينة، يُقبل عليها العباد بنهم شديد، فرمضان كذلك موسم له طقوسه الدينية وهو موسم للطاعات والتقرب لله لنيل العتق من النار ولا يأتي إلا مرة واحدة، فمن يغتنمه فائز ومن تكاسل واستهتر خاسر.ما أن ينتصف رمضان حتى يبدأ الناس بالأسئلة المعتادة عن إجازة العشر الأواخر: متى الإجازة؟ بيعطونا خمسة أيام ولا ثلاثة أيام؟ ثم يتمنون أن: إن شاء الله يعطونا الأواخر كلها إجازة هالسنة، ثم تكون النتيجة أنها ثلاثة أيام فقط من يوم 27 رمضان يُضم لها أيام العيد لتظهر للعيان أنها إجازة طويلة، فتكون ثلاثة أيام أو أربعة من رمضان بالإضافة لأربعة أيام هي إجازة العيد. ونحن إنما أحوج أن تبدأ إجازتنا من عشرين رمضان.والمصيبة أن بعض المؤسسات والبنوك لا تعطي موظفيها إجازة إلا من ليلة العيد؟ لماذا؟ أليسوا مسلمين؟ ألا يقيمون الليل؟ وأنتم يا مسؤولين ألا تقيمون الليل؟!يا مسلمين إن رمضان شهر وااااحد، والعشر الأواخر لا يعوضها عوض، فلم تحرمون عباد الله من التمتع بالعبادة؟ ولم لا يكون لكم أجر في عبادتهم فتحسب لكم بكل رفعة يد أجر، وبكل ركعة وسجدة في القيام أجر، بل قد تؤجرون على راحتهم ونومهم وصيامهم ومن ثم قيامهم آخر الليل. ولما كان لهذه الليالي العشر الأواخر من رمضان فضل كبير ـ حتى أن ليلها أفضل من نهارها ـ كان لقيامها معنى وقيمة وأجر، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد مئزره". والمسلم يكون في رمضان أكثر حرصا على اغتنام الساعات الأخيرة من الليل، فعن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: «ينزل الله تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر» وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة». فإن كانت هذه الساعة طوال العام، فما بالنا كيف ستكون في شهر الصيام؟ ومن سيترك قيام الليل في هذا الشهر الفضيل؟ وفي رمضان يتهجد المسلمون قياما معظم الليل حتى قبل الفجر، فيكون السحر فيتسحرون ثم يصلون الفجر فيجلسون للذكر، فلا يبقى وقت للراحة والنوم.ونحن لا نفعل ذلك إلا لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كَانَ يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)، لذا فنحن لا ندري أي ليلة هي تلك ليلة القدر؛ لذلك فالجميع مجتهد في العشر الأواخر من رمضان، فنجد أغلب من لا يقدر على أخذ إجازة آخر رمضان، أو لا يسمح له بذلك، مرهق تعب لا يقدر على أداء مهام عمله صباحا من طول السهر، بل إنه قد يُعرض حياته للخطر أثناء القيادة لقلة نومه، وهذا شهر لن يتكرر، ولياليه فيها بركة وأجر لا يضيعها مسلم عاقل.فليس للمسلم إلا هذه الأيام القليلة المباركة التي يحاول أن يري الله تعالى فيها من نفسه خيراً، فلربما جاهد نفسه في هذه الأيام القلائل فقبل الله تعالى منه، وكتب له سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وهذه العشر الأواخر من رمضان تمرُّ على المجتهدين واللاهين سواء بسواء؛ لكن أعمالهم تختلف وجزاؤهم عند الله يختلف.همسة أمل:ولفضل ليالي العشر الأخيرة التي فيها ليلة القدر وهي ليلة خير من ألف شهر، وحتى نتفرغ للتقرب من الله في هذه الأيام بالدعاء وقيام الليل والاعتكاف في بيوت الله؛ لذا نقترح ونطلب التكرم علينا بجعل العشرة أيام الأخيرة (من عشرين رمضان) من شهر رمضان المبارك إجازة رسمية من الدولة لجميع الموظفين حتى نتفرغ لعبادة الله عزّ وجل ولكم الأجر.دمتم في حفظ الله ورعايته