15 سبتمبر 2025
تسجيلنهى الله تعالى عن الغلو فقال تعالى: (يَـــا أَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) كما كان صلى الله عليه وسلم يطلب ذلك من الأمة: (سدّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدُّلجة، والقصد والقصد تبلغوا) . ويقول العلامة القرضاوي : (الإسلام منهج وسط في كل شيء: في التصور والاعتقاد، والتعبد والنسك، والأخلاق والسلوك، والمعاملة والتشريع) . إن القيم والأخلاق والسلوكيات في الإسلام قائمة على الاعتدال والتوسط مثل العدل، الاستقامة والاخلاص، والاحسان والصدق، والنزاهة، والحكمة وغيرها من القيم والأخلاق الإسلامية، وقد وصف الله تعالى عباد الرحمن في الانفاق بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) . ويترتب على غياب التوسط: الغلو والتشدد والافراط والتفريط في الحقوق والواجبات، والظلم والطغيان والعدوان، والعنف والبطش، والفتنة، كما تترتب عليه جميع الرذائل والانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية. والفلاسفة كذلك، يعرّفون الفضيلة بأنها وسط بين رذيلتين، فالفضائل وسطية في عالم القيم. إن النصوص الشرعية التي تتحدث عن الوسطية والوسط سواء كانت من القرآن الكريم، أو السنة النبوية الصحيحة لا يُفهم منها إلاّ الاعتدال وكون الشيء بين الافراط والتفريط، وبين الغلو والتطرف والتساهل، فقد جرت سنة الله تعالى أن يكون لكل شيء طرفاه ووسطه، والقوة دائماً في الوسط المادي، وكذلك الوسط المعنوي، فالأخلاق والصفات والقيم لها هذه الأطراف الثلاثة. فالوسط هو الشيء الواقع في الوسط مادياً ومعنوياً، والوسطية هي الالتزام به، وأن تحقيقه يحتاج إلى الميزان لتتوازن به الأشياء لتظهرعلى حقيقتها من حيث الإفراط والتفريط، ومن حيث القوة والضعف، وذلك لأن الميزان له كفتان فتوضع في كل كفة ما يناسبها للوصول إلى تحقيق التوازن الذي هو العدل. ولذلك كان من مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التزكية للنفوس والقلوب حتى تكون بعيدة عن الأهواء، وتعليم الكتاب الذي هو الدستور والأصل والمرجع، وتعليم الحكمة لوضع كل شيء في محلّه، بل إن الله تعالى أعطى للحكمة منزلة كبيرة ذكرت في الكتاب إحدى عشرة مرة كما بيّن بأنه تعالى هو الذي أنزلها مع الكتاب على رسوله العظيم فقال تعالى: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) فهذه الحكمة هي الحماية من الوقوع في براثن الإفراط أو التفريط لأنها تحقق التوازن المطلوب. والخلاصة أن الله تعالى أنزل الكتاب والميزان، والحكمة، فهي بمجموعها المعايير والمقاييس لتحقيق التوازن والعدل الذي هو النتيجة والثمرة الأساسية التي تترتب عليها القوة والحضارة والتقدم.