11 سبتمبر 2025

تسجيل

ورطة التورط الإيراني في الشرق القديم

04 يونيو 2016

ليس من الغرابة في شيء أن يرتفع من جديد صوت ثعلب السياسة الإيرانية وقطبها الكبير حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني، وهو يحدد بوضوح وبلغة لا تنقصها الخبرة الدبلوماسية والميدانية الواسعة مكامن الخلل في السياسة الإيرانية الراهنة التي دخلت في وضع استنزافي مرهق تم استدراج النظام الإيراني إليه وهو يحاول تنفيذ مخططاته التبشيرية والانقلابية القديمة، منتهزا فرصة الظروف الشاذة الراهنة التي يعانيها عدد من دول المشرق العربي المجاور. فرفسنجاني ليس مجرد مسؤول سياسي عادي في نظام سياسي معين، بل إنه من جيل القادة المؤسسين، ومن الذي تركوا بصماتهم الواضحة -ولا يزالون- في بنية النظام الديني القائم هناك، وله دور قيادي مركزي وتاريخي في قيادة عمليات الحرب الشرسة ضد العراق (1980/1988)، كما أن لموقفه ورؤيته الدور الواضح والمؤثر في وقف العجلة الدموية لتلك الحرب في أغسطس 1988، والتي اضطر وقتذاك الخميني لإيقافها معتبرا ذلك بمثابة تجرع لكوؤس السم الزعاف!. وكان له الفضل الأكبر في ترشيح وتعيين علي خامنئي خليفة للخميني بمنصب الولي الفقيه رغم عدم وصوله لمرحلة الاجتهاد!. وزار رفسنجاني شخصيا العراق كاسرا الفتور والتوتر الكبير في العلاقات. ويسجل للرجل مواقفه الانفتاحية وروحه البراجماتية أيام رئاسته للجمهورية وانفتح أيضا على الرياض والمحيط الخليجي وأرسل رسائل سلام لدول المنطقة. ولكن الخطوط الأخرى في النظام الإيراني هي التي فرضت سياستها في نهاية المطاف، خصوصا جهاز الحرس الثوري الذي تم بناؤه تحت ظلال صواريخ الحرب مع العراق ليكون بديلا عن الجيش النظامي الذي لا يطمئن له النظام!، حتى ابتلع الحرس الدولة وأضحى الآمر الناهي في تقرير إستراتيجية الدولة وتحرك النظام. وتراجع دور رفسنجاني للصفوف الخلفية رغم تاريخه وولائه وأفضاله على النظام القائم!، وهو اليوم حينما يحذر من اتساع مساحات التورط والانغماس في مشاكل المنطقة، ويشير للخسائر الكبيرة التي يتعرض لها النظام ومؤسسته العسكرية التي خسرت الكثير من قادتها الميدانيين والمؤسسين، فهو إنما يشير ويحذر من حالة انهيار قادمة لا محالة! ، فالنظام الإيراني اليوم على عداء ليس مع أنظمة المنطقة فقط بل مع شعوبها، فهو يضرب الشعب السوري واللبناني، وله القدح المعلى في انهيار الأوضاع العراقية ووصولها للحالة الكارثية بعد أن أسس ومول وخطط وقاد ميليشيات طائفية متوحشة تغولت كثيرا، وهي تعمل حاليا بنشاط وأجندة واضحة لربط العراق بأسره بالنظام الإيراني!، وهي حالة غير مسبوقة في التمدد دون تجاهل ما تقوم به إيران في جنوب الجزيرة العربية في اليمن وفي مملكة البحرين، وأمور وملفات أخرى لعل أهمها إن حالة الاستنزاف الإيرانية القائمة ستنتقل مؤثراتها المباشرة للشارع الإيراني قريبا وبما يهدد بنشوء أوضاع شبيهة بتلك التي انطلقت خلالها شرارة الربيع الإيراني عام 2009!. ورغم أن التبرير الإيراني للتمدد والانتشار العسكري الواسع والممتد من أفغانستان وحتى بيروت ومضيق باب المندب أيضا هو لحماية العمق الإيراني عبر القتال في الخارج بدلا من انتظار العدو المفترض في الداخل! فإن ذلك التبرير المفتعل لا يصمد أبدًا أمام ضرورة توفير الموارد لدعم البنية الداخلية وليس لتحقيق أهداف وتطلعات خارجية!، ويبدو أن هاشمي رفسنجاني في تحذيراته العلنية يعي جيدا طبيعة الأزمة الداخلية التي تهدد بانفجار الأوضاع الداخلية!. رفسنجاني هو أكثر القادة الإيرانيين الذين يعرفون توقيتات الهجوم والانسحاب! وهو بتحذيراته يستبق كارثة محتملة قادمة، فهل سيستمع الإيرانيون لصوت العقل ويستفيدون من الخبرة التراكمية لقطب مؤسس من أقطاب نظام لا يزال محتارا في تحديد مجالاته الحيوية؟