11 سبتمبر 2025

تسجيل

"داعش" ومثيلاتها والدولة الوطنية العربية

04 يونيو 2015

نقول ربما تفعل، لا قدر الله، في مقال سبق قلت إن التطرف الإسلاموي متعدد الأسماء والواجهات (من داعش، ونصرة وقاعدة وفتح، وحوثية، وأنصار بيت المقدس)، ما هو إلا قمقم مظلم أخذ يخرج لنا من ثناياه المظلمة كل غريب مدهش ولما تتبين لنا حقيقته بعد. وقلت إن الدولة الوطنية العربية أخذت على حين غرة، حين وجدت نفسها أمام عدو جاءها من وراء الأكمة بقدرات عسكرية، وتنظيمية، ولوجستية، فاقت قدراتها الموروثة بشكل أشاع الإحباط والحيرة والارتباك لدى الذين بيدهم مستقبل هذه الدولة الموروثة ومصيرها. وقلت إن التساؤل البديهي دار منذ البداية حول مصدر تلك القدرات المتنوعة والمتعددة التي تظهرها القوى المتطرفة وهي تقاتل الدولة العربية الموروثة في عقر دارها وتحرز انتصارات عسكرية مذهلة لجهة اتساع نطاقها، وتمددها مع كل فجر جديد، مع تراجع قوة الدولة العربية الموروثة، عسكريا وسياسيا ومعنويا، أمام عدو شبح يختفي من هنا ليظهر هناك قبل أن يجد الجميع الإجابة الشافية عن مصدر هذه القوة الدافعة لدى مقاتلين لم يكونوا في يوم من الأيام مقاتلين محترفين تدربوا على فنون القتال المتعددة والمتنوعة وسبروا أغوارها. ومع مرور الوقت، اتسعت قدرات هذه العناصر المهاجمة وأخذت تتسيد المشهد الحربي بتكتيكاتها المتطورة، وبتحركاتها السريعة من مواقع الخطر إلى مواقع أقل خطورة، ومن ثم التمدد في تلك المواقع عن طريق الظهور والاختفاء الزئبقي المباغت. وواجهت الدولة الوطنية العربية هذا الخطر في وقت تغوص فيه هذه الدولة في وحل أزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية القديمة المتجددة على ما كان لديها من الأحمال الكافية وزيادة. الآن أدركت الدولة الوطنية أنها لا تواجه عدوا داخليا تقليديا مما اعتادت عليه وخبرته في مسيرتها الطويلة مع المواجهات الداخلية، ولكنها تواجه عدوا عابرا للحدود، أجندته ليست هي الأجندة التي الفتها الدولة الوطنية في مسيرتها السابقة، أجندة تتحدث نيابة عن الله في أرضه، وتضع فيها الموازين القسط كما يراها أحبار الجدد. وبان للجميع نوع وحجم الخطر على الدولة العربية التي ظلت قائمة منذ عقود ولم تتعرض لمثل هذا الخطر من قبل، حتى إذا أصبح الصبح اليوم وجدت الدولة العربية نفسها وهي تتراجع أمام هذا العدو الجديد، ولم يكن أمام هذه الدولة من خيار إلا أن تعترف بعجزها وضعفها. وأن تضطر إلى إرسال إشارات الإغاثة وطلب العون من الحلفاء وغيرهم ومن الذين هم عرضة لذات الخطر إذا لم يتم إيقافه اليوم قبل الغد. فها هي الدولة العربية في اليمن وفي ليبيا وفي العراق وفي سوريا تستغيث، وتطلب النجدة لمساعدتها في حرب البقاء أو الهلاك. وبخلاف ذلك، فسوف يعم الطوفان، ولن ينجو أحد من الغرق. وبعد هل يسقط رهان الدولة الوطنية العربية على حلفائها التاريخيين، أم ينجح رهانها القديم الجديد، أم يتسنى لداعش ومثيلاتها أن تكتب السطر الأخير في القصة الطويلة؟.. الأيام القادمة كفيلة بتحرير الإجابة الشافية.