15 سبتمبر 2025

تسجيل

هيجان الشارع العراقي الهائج!

04 مايو 2016

ما جرى في بغداد بعد تحطيم وتخطي حصون المنطقة البغدادية الخضراء من قبل جماهير (التيار الصدري) أو من انخرط معهم وتدثر بغطائهم، وما تطور من أفعال وممارسات كان أبرزها اقتحام البرلمان العراقي وتكسير أثاثه والضرب والتعدي على بعض النواب المخططة أسماؤهم سلفا، إنما هو وضع يؤكد عمق هشاشة النظام المتضعضع القائم في العراق، وهزالة وسقم الطبقة السياسية الحاكمة التي أدارت العراق بطريقة كارثية أدت إلى تحوله لدولة فاشلة بل عريقة في الفشل، فذلك الاقتحام والذي ما كان يمكن أن يتم دون تساهل وربما رغبة من بعض سادة المنطقة الخضراء وحماياتهم وفرقهم المدرعة، قد أسس لحالة عراقية قد تأصلت وترسخت، وهي الحالة الفوضوية عبر الهياج الجماهيري لشارع هائج ويبحث عمن يشعل الفتيل لكي يحرق الأخضر واليابس أمامه، ما حصل يعمق الصراع (ضد النوعي) بين المكون الواحد، فقيام الصدريين أو رافعي شعاراتهم بالهجوم على مقرات حزب الدعوة الحاكم وحرق صور رئيسه ورئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، إضافة إلى إهانة جماعة (مجلس آل الحكيم الأعلى)! يمثل الذروة في الصراع الداخلي بين أطراف التحالف الوطني ذي الأغلبية، وهو المهيمن على محاور السلطة العراقية التي ظهرت في النزاع الحالي بصورة بائسة ومثيرة للشفقة وتحولت إلى أشبه بحالة اليتيم على مأدبة اللئيم، حيدر العبادي وهو يحصن مواقعه ويجهز حراسته لم يكن سوى مشاهد لأزمات تتطور، وخطابات مقتدى الصدر التهديدية ومواقفه المتغيرة، والشعارات الغريبة التي هتفت بها حناجر الجماهير المحتشدة (بغداد تبقى حرة.. إيران برا برا)! تنبئ بأن هنالك صراعات خفية وخطيرة بين التيار الطائفي الواحد الذي يبدو موحدا من الخارج بينما الوقائع الحقيقية تؤكد بأن عمق الخلافات أكبر من كل ما هو متوقع، فالنظام الإيراني يدعم أطرافا في التحالف الوطني الحاكم ويقف بالضد من أطراف أخرى! وهي لعبة خطرة سترتد على صانعيها، فليس سرا معرفة أن الجنرال الحرسي الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس، يعتبر في العراق اليوم بمثابة (صانع الملوك والقادة في بغداد)! وأن ذلك الدور بات يمثل إهانة لأطراف أخرى ترى نفسها مستهدفة من قبل الإيرانيين، لذلك لجأت إلى الشارع لنقل الصراع إلى هناك. اقتحام البرلمان بالطريقة الاستعراضية التي تمت كان أمرا مخطط له مسبقا، وهو لا يشكل انقلابا على العملية السياسية الكسيحة أصلا، بقدر ما هو رسالة واضحة المبنى والمعنى لإثبات الوجود! والتلويح بورقة الشارع العراقي الهائج أصلا منذ عقود، لقد كان الخوف كبيرا من أن تتكرر صور عمليات السلب والنهب و(الفرهود) للبنوك والمؤسسات كما حصل في التاسع من أبريل عام 2003 خلال توغل الجيش الأمريكي ليحتل بغداد ويسقط النظام الذي كان قائما. ولكن حركة الشارع الهائج وإيقاعاته كانت مضبوطة ومخططا لها بشكل واضح ووفق سيناريو يبقي التهديد مستمرا دون حسمه نهائيا، وتبادل الاتهامات بين الأطراف المتشابكة، هي تفعيل لسيناريوهات صراعات داخلية محتدمة، وهنالك رفض شعبي عراقي واضح للهيمنة الإيرانية المتزايدة على السلطة، كما أن السلطة تحتاج هي الأخرى في ظل عدم القدرة على حل المشاكل العراقية المتراكمة لملفات أزمة تشغل الجماهير ولكن وفق إيقاعات مضبوطة ومتحكم بها، ولكن التاريخ وحركة المجتمع لا تعطي حصانة لأي طرف من تبعات التحرك الجماهيري الذي قد يتطور ليفجر مفاجآت غير منتظرة بالمرة. والحقيقة العراقية العارية تقول بأن مفاجآت الشارع العراقي القادمة قد تقلب كل التوقعات.. ومَن يجعل الضِّرغامَ بازًا لصيده ** تصيَّده الضرغامُ فيما تصيَّدَا!ويبقى الهيجان العراقي مستمرا..