14 سبتمبر 2025

تسجيل

فن السعادة

04 مايو 2012

السعادة فن من الفنون التي يجب على الإنسان أن يتعلمها ويتدرب عليها ويتقنها منذ الصغر كما يتعلم الإتيكيت أو القراءة والكتابة، وكون المرء يعلم بطبيعة الحياة من حوله والتي لا تخلو أبداً من منغصات ومصاعب سواء كانت مادية أو شخصية، فهذا يعني أن عليه أن يتقبل الواقع بهمومه ومشكلاته، دون أن يسمح لهذه الهموم باختراقه وتحويله الى أسير لها، وليست هذه دعوة للسلبية وعدم التغلب على مصاعب الحياة أو قهرها، فبعض المصاعب من طبيعة الحياة نفسها، فمشكلات الأبناء والبنات مثلاً ومعاناة العمل والتعايش مع شريك أو شريكة صعب التعامل معه أو معها، كلها مشكلات قد نتعرض لها ولا نملك التخلص منها، وليس لدينا من وسيلة في التعامل معها إلا باعتبارها واقعا يجب أن نتعايش معه دون أن نسمح له بأن يفرض نفسه على مشاعرنا وعواطفنا ويقضي على إحساسنا بالسعادة وبهجة الحياة، فليس بالضرورة أن تكتمل لدى المرء جميع متطلبات الحياة من مال ومنصب وصحة وعائلة ليكون سعيداً فالسعادة ليست دائماً مرتبطة بظروف وشروط معينة. فجزء من السعادة رضا الإنسان عن نفسه، حتى لو لم يحقق الكثير من إنجازات الحياة المتعارف عليها، فموضوع الإنجاز نسبي للغاية ويختلف تبعاً لنظرة المجتمع له، وإن كان معظم الناس في مجتمعنا يفهمون الإنجاز على إنه الوصول الى منصب رفيع وكثرة عدد الأصفار على يمين ما يملكون من أرصده بنكية. فالسعادة التي اختلف الفلاسفة في تعريفها منذ بدأ الكائن البشري في التفكير وعرف الإنسان الفلسفة التي هي حسب التعريف اليوناني القديم (حب الحكمة)، حيث قدم كل فيلسوف منهم مفهومه للسعادة، منذ سقراط والأبيقوريين (نسبة للفيلسوف أبيقور)، والرواقيين (الذين كان معلمهم زينون يجلس في رواق مكشوف ويلقي لهم تعاليمه)، وفلسفة أفلاطون في السعادة التي بنى عليها مدينته الفاضلة. مروراً بالفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا وابن رشد في القرون الوسطى حتى الفلاسفة الأوربيين منذ عصر النهضة حتى العصور الحديثة. فالفيلسوف اليوناني أبيقور الذي يقوم تصوره للسعادة باعتبار أن الإنسان جسد ونفس فإن سعادته تكمن في تحقيق الخير الملائم لطبيعة النفس والجسد. والخير الملائم لطبيعة الجسد هو اللذة أما الخير الملائم لطبيعة النفس فهو الطمأنينة. والسعادة في مفهوم الرواقيين تكمن في تقبل الحياة بكل تقلباتها، والسيطرة على كل المشاعر التي تنتاب الإنسان مثل الخوف والحزن، والإيمان بجبرية القدر وكون الإنسان مسيّرا ولا يمكنه الإفلات من قبضة القدر. بينما يرى أرسطو ان السعادة تكمن في حياة التأمل والتفكير باعتبار الإنسان إنما تميز عن بقية الكائنات بالعقل. ويعتقد ابن سينا أن السعادة الحقيقية لا تكون لا بالحس ولا بالبرهان، بل تكون بالتحلل من إسار الجسد والاتصال بالعالم القدسي النوراني، والسبيل في ذلك هو القلب والروح وتطهير النفس الناطقة. وبعيداً عن كل ما تفلسف به الفلاسفة وفسره الحكماء، فالسعادة إحساس نستحق أن نعيشه حتى وإن كان واقعنا اليومي أبعد ما يكون عنه.