10 سبتمبر 2025

تسجيل

الذكريات وقوداً..

04 مارس 2024

أي سر تحمله الذكريات لتكون وقودنا الذاتي لإكمال الرحلة وإن عبر طريق مختلف عن الطرق القديمة في خريطة الحياة؟ لم أنتبه لتلك القوة الكامنة في ذكرياتي قبل أن أكتشف قليلا من أسرارها الكثيرة وأنا أحاول الإحاطة بها عبر الاسترجاع وحده. كلما استعدت موقفاً أو حكاية أو حتى وجهاً قديماً من بين أضابير الذاكرة ليكون موضوع حديث حي مع أحدهم، بادرني باقتراح حاضر ؛ اكتبيها.. اكتبي قبل أن تنسي، وأنا أعرف أنني أنسى فعلاً، وأنني أضعت الكثير من كنوز ذاكرتي الجميلة في سنوات العمر المتصرم. وأن ما أتذكره على سبيل الحكاية أحيانا ليس سوى القليل جدا من هوامش كثيرة تذيل الحكايات الكبرى. ومع هذا ما زلت أقاوم بشدة فكرة كتابة ما تبقى في قعر الذاكرة ليكون نواة لسيرة ذاتية أعرف أنني وإن كتبتها فلن أنشرها أبداً. أعرف أن كتابة الذكريات تعد واحدة من الأعمال الأدبية التي تسمح للناس، على اختلاف ثقافاتهم ومستواهم، بتوثيق تجاربهم كما ينظرون إليها بعد مرور بعض الوقت، أي بعد أن تتعرض لاختبار الزمن وامتحان البشر، فتتصفى بعد أن تتخلص من شوائبها ولا يبقى فيها سوى ما يمكن سبكه بالكتابة. قراءاتي في كتب السير الذاتية (وهي على أية حال من أمتع قراءاتي)، كيوميات أو مذكرات أو تجارب مختلفة في الحياة، تثبت أن الصعوبة تتجاوز الكتابة لتمتد إلى القراءة أيضا، فما يظن الكاتب أنه نجح بإخفائه عن إدراك معظم القراء سرعان ما ينكشف بذاته بكلمة أو جملة أو عنوان! وقد يعتقد بعضنا أن كتابة الذكريات محصورة في المشاهير أو الكتاب المحترفين، ولكن الحقيقة أن الجميع يمكنه أن تكون له قصة ملهمة تستحق السرد، وتجربة خاصة في التوثيق وهو ما يجعلها رحلة شخصية تأخذنا في دوامة لا نهائية لاستكشاف الماضي وتسجيله بطريقة فريدة تعبر عما كون شخصياتنا كل على حدة، بغض النظر عما إذا كانت النية الأولية للنشر موجودة أم لا، فإن كتابة من هذا النوع الحميم تمنحنا فرصة للتعبير عن أنفسنا وتوثيق ماضينا بعيدا عن العواطف الآنية، والقصص، بتعبير الجاحظ، ملقاة في طريق البشر ولكن من ينتبه من أولئك الذين يظنون أن الأحداث العادية والتفاصيل الصغيرة ليست ذات قيمة في كتابة الذكريات، أنها تمثل جزءًا هامًا من التجربة الشخصية وحكاية الذات كلها.وتدوين الذكريات بكل تفاصيلها يسمح لنا بإعادة تجربة الأحداث والأماكن والأشخاص في عقولنا، ويعزز واقعية السرد بما جعلنا نستعيد الشعور بالمشاعر والتفاصيل التي رافقت تلك اللحظات. كما أنه يساعدنا في الحفاظ على الذكريات وعدم فقدانها مع مرور الوقت، حيث يمكن أن تتلاشى الذكريات مع التقدم في العمر وتغير الظروف.أما عندما نقرأ ذكريات الآخرين، فإننا نتحصل على علاقة فريدة مع تجاربهم، وهو ما يؤهلها لأن تكون الذكريات وقودًا ذاتيًا لاستكمال الرحلة المكتوبة لنا في الحياة. هل ما أكتبه الآن إذن محاولة للبدء بالكتابة؟ أم هو تبرير فاشل لعجز متوقع عندما تحين اللحظة المناسبة؟ لا أدري.. لكنني سأقنع نفسي على الأقل أن كثيرا مما كتبته في حياتي» شعرا ونثرا» إنما هو محاولات غير واعية تماما على سبيل تجربة الكتابة الذاتية، وإن بدا الأمر أحيانا بعيدا عن الذاتية. ولعبة المراوغة على أية حال هي إحدى أجمل الألعاب التي يمارسها الكاتب مع الكلمات عندما يريد أن يقول ولا يقول!