18 سبتمبر 2025

تسجيل

الحقائق المنسية في الحرب الأوكرانية

04 مارس 2022

قدم وزير خارجية روسيا السيد لافروف أهم درس في العلاقات الدولية يوم الاربعاء 3 مارس الجاري، حين قال: إن الأعضاء القاريين في مجلس الأمن وقعوا بيانا في يناير الماضي يلتزمون فيه بدفن الحرب الباردة إلى الأبد، وبأن الحدود المكتسبة بعدها هي آمنة ومعترف بها، ولذلك لا نقبل مغامرة رئيس أوكرانيا بالحصول على السلاح النووي على حدودنا. ومن جهة أخرى ففي عالم الفكر السياسي قامات عالمية وعلمية تعلمت منها وما زلت أتعلم لأنها لو اتفقت على موقف فإن ذلك الموقف هوالأصح، واليوم أقرأ في بعض المواقع ما تردد عن الداهية الدبلوماسي الأمريكي (هنري كيسنجر) وعن رائد الجرأة السياسية المفكر عالم الألسنيات (ناحوم شومسكي)، وعن الفيلسوف الفرنسي المجدد لفلسفة الحضارة (ميشال أونفراي) رأيهم ونتيجة قراءتهم للحرب في أوكرانيا حيث اتفقوا على أن هذه الحرب ما كانت لتندلع لولا أخطاء في التقدير خطيرة وغير مسؤولة من الجانبين: جانب الغرب والولايات المتحدة وحلف الناتو بمواجهة جانب روسيا بقيادة فلاديمير بوتين. يرى هؤلاء المتأملون بزادهم العلمي الثري أن بايدن وبوتين على وجه الخصوص يجران العالم إلى معاناة حرب "عبثية وزائدة عن اللزوم" ويرون بأن التوازن الجيوستراتيجي القائم منذ سقوط جدار برلين هوالأفضل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ونشأة الحرب الباردة ثم موت نفس هذه الحرب الباردة بتأسيس اتحاد الجمهوريات الروسية بدون 15 جمهورية اختارت شعوبها الاستقلال عن الراعي السوفييتي وإعلان دولها المستقلة وذات السيادة. إذن يتساءل هؤلاء المفكرون الكبار: "ماذا وقع حتى يختل التوازن الضامن للأمن والسلام الدائمين؟ وما الذي اضطر الإدارة الأمريكية إلى اختيار المواجهة عوض المفاوضة والصدام عوض الكلام، وما الذي اضطر بوتين إلى الإسراع لغزو أوكرانيا عوض الاستمرار في النهج الدبلوماسي؟ في تقييم هؤلاء الثلاثة وغيرهم كثيرين، أن تفاقم الأخطاء من الجانبين أصبح مهددا للسلام العالمي لأن التاريخ أثبت بأن الحربين العالميتين (14-18) و(39-45) بدأتا من شرارات شبيهة بهذه وبأن البشرية دفعت فيهما أكثر من 80 مليون ضحية دون فائدة ترجى سوى فرض هيمنة هذه أوتلك من القوى العظمى! ونذكر أنه على مدى أشهر نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التخطيط لغزو أوكرانيا لكنه الآن مزق كل اتفاق سلام وأرسل قواته عبر الحدود إلى المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية من أوكرانيا، وبينما ترتفع حصيلة القتلى يواجه بوتين اتهامات بأنه يهدد السلام في أوروبا وأن ما يحصل في الأيام القادمة قد يهدد أمن القارة الأوروبية برمتها وتتقدم القوات الروسية حاليا في العاصمة الأوكرانية كييف من عدة اتجاهات بعد أن أمر الزعيم الروسي بالغزو. وقبل لحظات من بدء الغزو ظهر الرئيس بوتين على شاشة التلفزيون معلنا أن روسيا لا تستطيع أن تشعر "بالأمان والتطور" بسبب ما وصفه بالتهديد المستمر من أوكرانيا الحديثة. وفرضت دول غربية عديدة عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا خلال الأيام الماضية بسبب غزوها الأراضي الأوكرانية وصممت العقوبات بطريقة تعوق الاقتصاد الروسي وتعاقب الحكومة بسبب قرارها شن الحرب في أوكرانيا. وكما نعلم فإن العقوبات هي وسيلة تستخدمها الدول لمعاقبة دول أخرى أو قادة دول أخرى أوسياسيين بسبب قيامهم بخرق ما يعتبرونه "القوانين الدولية" في محاولة لمنع استمرار ذلك، وتكون العقوبات مصممة للإضرار باقتصاد الدولة المستهدفة ومواردها المالية وقادتها السياسيين، ويمكن أن تتضمن العقوبات حظر السفر وحظرا على الأسلحة وإخراج روسيا من آلية (سويفت) المالية الدولية لنقل الأموال، وهو إجراء أيضا قد يعطل نهائيا تزويد أوروبا بالغاز الروسي أوبالنفط الروسي بسبب وقف تسديد المبالغ المقررة. ومن جهة أخرى أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجيش بوضع القوات النووية الاستراتيجية في حال تأهب خاصة، وقال في اجتماع لقادة الدفاع في الكرملين: إن الغرب اتخذ إجراءات غير ودية تجاه روسيا، وذكر أن أول من نطق بالتهديد النووي كان وزير خارجية فرنسا (جون إيف لودريان) منذ أسبوع حين قال "بأن على روسيا عدم تناسي أن حلف الناتو هو حلف ذو قوة نووية رادعة"! وشمل تحذير بوتين ما وصفه بالعقوبات الاقتصادية غير القانونية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وقال بوتين إن القوات النووية ستوضع في حال تأهب قصوى لأن كبار مسؤولي الناتو سمحوا "بتصريحات عدوانية" تجاه روسيا. اليوم ونحن في الأسبوع الثاني من الغز ونسجل أن الغاز الروسي ما يزال يتدفق نحوالاتحاد الأوروبي وأن الصين تساند بحذر "زميلتها أوحليفتها!" روسيا وأن السياسة البريطانية والألمانية والفرنسية الداخلية بدأت تتأقلم مع حرب أوكرانيا لتعدل ساعاتها على الحدث الأخطر من ذلك أن الرئيس الفرنسي ماكرون بصفته رئيسا للاتحاد الأوروبي دوريا وبصفته مترشحا لعهدة رئاسية ثانية (مايو2022) بدأ في تزعم حركة ردود الفعل الأوروبية ضد روسيا وتفعيل العقوبات ضدها حتى لوضحى بعديد الامتيازات الفرنسية التي تعود عليها الشعب الفرنسي بسبب علاقاته التاريخية بالإمبراطورية الروسية منذ قرون (المنطقة السياحية الأولى في جنوب فرنسا الساحل اللازوردي مأهولة إلى اليوم بعائلات روسية غنية هربت منذ عام 1917 من روسيا مع الثورة البلشيفية واستقرت في نيس وكان ومونتون)، ثم إن رئيس الحكومة البريطانية وكذلك المستشار الألماني يشعران بحرج كبير أمام ما سمته (الغارديان) بالتهور والخفة وانعدام المسؤولية لدى الرئيس الأوكراني منذ فوزه بالانتخابات عام 2015! وبنفس الانتقادات المبطنة حللت كبرى المجلات الأمريكية (فورين بوليسي) وهي عادة الناطقة الرسمية باسم الأنتليجنسيا الأمريكية لتكتب في افتتاحية عددها لشهر مارس "بأن الحرب ما كانت لتكون لولا سوء التقدير ولولا تغليب العاطفة التاريخية على العقل السياسي"، وهونفس ما نقلته لكم من تحليل بعيد النظر حكيم التأمل للقامات الفكرية التي ذكرتها. أما نحن العرب فنخبتنا المشرقية تتخبط في تشبيه أوكرانيا بسوريا والعراق! وعلى قياداتنا الحذر كل الحذر مما يحدث في أوكرانيا حتى تمر العاصفة بأقل الخسائر! [email protected]