12 سبتمبر 2025

تسجيل

نهاية رجل غبي

04 مارس 2016

قالت العرب: "لكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها"، فداء الحماقة والغباء لا دواء له على الإطلاق، وهو يورد المهالك، ويقتل صاحبه.ينطبق هذا الأمر على توفيق عكاشة، الإعلامي والسياسي والنائب ورجل الجماهير وصانع الثورة، وهي الألقاب التي يحب أن يضفيها على نفسه، فقد استطاع من خلال قناته الشهيرة "الفراعين" أن يتحول إلى رجل جماهيري، وتمكن من الفوز في انتخابات السيسي النيابية بعدد كبير من الأصوات وصل إلى 95 ألف صوت، وهو فوز ساحق مقارنة بعدد الأصوات التي حصل عليها الفائزون الآخرون في هذه الانتخابات المزيفة الانقلابية. ولكن ورغم ذلك تمكن من انتزاع صدارة المشهد بين رجال الانقلاب، أو على الأقل كان واحدا من رجال الصف الأول لهذا الانقلاب الأسود.هذا كله ليس أكثر من جزء صغير من حكاية هذا الرجل الذي تحول إلى ظاهرة، وتحول اسمه إلى مثل بين الناس فأصبح مصطلح "عكاشيات" على وزن "قراقوشيات" حديث المقاهي وجلسات "الهشك بشك"، وصار "تزغيط البط" لغة متداولة في مجتمع نصفه على الأقل من الفلاحين، وتحول رفع الحذاء على الهواء إلى "لغة شعبية"، وصار حذاء عكاشة أو "شبشبه" أشهر من حذاء الطنبوري.مشكلة عكاشة أو "عكش" أنه نسي نفسه، و"ساق فيها" ويبدو أن الشيطان زين له أنه بطل حقيقي، وأنه صانع ثورة "بحق وحقيق"، وأنه جمع مليونية أطاحت بالرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وبدأ يتوهم أو يخيل له أن "ثورة 30 يونيو"، أي الانقلاب من صنع يديه، وطبق المثل الشعبي "من صنع يدي وحياة عنيا"، وبدأ يتحرك ويتحدث ويتصرف على هذا الأساس، وأخذ يتطاول و"ينفش" مثل الطاووس، ولم يسلم من شره أحد، وأخذ يطالب بثمن دوره في انقلاب 30 يونيو، وأنه أوصل السيسي إلى الحكم، وأن السيسي لم يكن ليصبح رئيسا لولا الخدمات التي قدمها "عكش"، ورفع نفسه إلى مرتبة "صانع الرئيس"، وكان يفتخر بذلك دائما.ما نسيه "عكش" أنه لم يكن أكثر من أداة يتم تحريكها والتحكم بها من وراء ستار، وأن جهاز المخابرات المصرية هو الذي حشد له الجماهير في مظاهرته التي أطلق عليها "مليونية"، وأنه مول قناته الفراعين التي اعترف نجيب ساويرس بدعمها ماليا، بعد أن تطاول عكاشة عليه.لا يختلف توفيق عكاشة عن أحمد موسى وعمرو أديب ولميس وإبراهيم عيسى والحسيني وتامر أمين وخالد يوسف، ومصطفى بكري ومرتضى منصور وغيرهم من رجال السيسي، إلا بدرجة الغباء، فكل واحد من هؤلاء التزم بما أملي عليه من قبل المخابرات وأجهزة الأمن، ولم يخرج عن الخط المرسوم له، لكن عكاشة "النائب الجماهيري المحمول على الأكتاف"، تمادى في غبائه وثرثرته وتمجيد بطولاته، فضاقوا به ذرعا، وقرر سادته في اللحظة الأخيرة التخلص منه بطريقة "الضربة الفنية القاضية".الخطة كانت سهلة جدا بلعها "عكش" بسرعة، فدفع إلى دعوة سفير الكيان الإسرائيلي إلى منزله، ونشر الصور علنا، والافتخار بهذا التصرف، وذلك لكسر "شعبيته الموهومة" في الشارع، وقلب الناس ضده، وهنا لا بد من التأكيد أن هذه الشعبية المزيفة لم تكن إلا من صنع جهاز المخابرات، فهذا الجهاز هو الذي حول "عكش" إلى "نجم جماهيري".وإذا كان الوعي المصري العادي يكره الكيان الإسرائيلي ولا يقبل بالتطبيع، فإن الدخول في مربع التطبيع كفيل بقتل أي نجم في مصر والعالم العربي، ولم تحتج المخابرات المصرية إلا إلى صورة واحدة لعكاشة مع السفير الإسرائيلي، من أجل "تصفير شعبيته" وضربه "بالجزمة" وتحويله إلى حثالة جماهيرية، يلفظها الناس، وبذلك تمهد الطريق لتوجيه الضربة القاضية له بطرده من مجلس الشعب، وخلع صفته كنائب، وإعادته إلى المربع الأول وتحويله إلى "نكرة" أو "لاشيء"، وهو ما حدث فعلا.لقد كان عكاشة، أداة قذرة في أيدي الانقلابيين، استخدموه وعندما انتهى دوره ألقوه على الرصيف، واستثمروا غباءه ونرجسيته وأوهامه إلى الحد الأقصى ثم حولوه إلى "صفر" حقيقي..وهو الصفر الذي يليق بنهاية رجل غبي، اسمه توفيق عكاشة، أو "عكش".