11 سبتمبر 2025
تسجيلواحد أنا من الذين يسكنهم الوجع عندما تنشب أزمة ما بين دولتين عربيتين وآخر تجليات ذلك يتمثل فيما يبدو أنه أزمة مكتومة بين مصر والإمارات وكلاهما دولتان ترتبطان عضويا وقوميا وكثيرا ما طرحت على نفسي سؤالا أو بالأحرى أسئلة عن مسببات هذه الأزمة ولماذا لا تتحرك عربية لاحتوائها قبل أن تتفاقم على نحو يهدد موروثا شديد الإيجابية في رصيد هذه العلاقات ومؤخرا كنت في نقاش مع واحد من زملائي بالأهرام هو الصديق ثابت أمين عواد الذي عمل سنوات طويلة بالإمارات سواء صحفيا بإحدى صحفها المحلية أو مراسلا للأهرام فأبدى لي بعض الملاحظات المهمة على صعيد ملف العلاقات المصرية الإماراتية ورأيت الاستعانة بها للمساهمة في تحريك ركود هذه الأزمة وصولا إلى إنهائها. بداية يشير إلى أنه رغم اشتداد الأزمة بين البلدين فإنه لم تصدر تصريحات رسمية سلبية من كل منهما، كما لم ينحرف الإعلام إلى تدني الخطاب أو النيل من رموز الحكم في الدولتين، فظل الخطاب الرسمي فيهما هادئا متماسكا، كما لم تقطع العلاقات، بل لم تصل الأمور إلى حد التلويح بقطعها، ولم تخرج ردود الأفعال عن انطباعات شخصية ورؤى خاصة ومبادرات فردية. أيضاً فإن الميراث الثقافي المشترك بين الدولتين تجاوز حالة التباين أو - قل التناقض - بين الثورة في مصر والاستقرار في الإمارات، وأدي المشترك الثقافي والاجتماعي بينهما إلى امتصاص عواصف الأزمات والأعاصير، ومع ذلك ليس بوسع أحد أن ينكر أن ثمة فتورا في العلاقات ولكنه فتور لم يصل إلى الجفاء، والتساؤل الأول هو: إلى أي مدي يري الإماراتيون أن صعود التيار الإسلامي في مصر يعد سببا رئيسا وراء تدهور العلاقات مع مصر..؟ ويؤكد عواد في ملاحظاته أن حسابات المكسب والخسارة التقليدية في العلاقات المتبادلة بين الدولتين لها سمات مغايرة لما هو سائد في الشؤون والعلاقات الدولية، فالإمارات تنظر إلى علاقتها بمصر بأنها ليست علاقة بين دولتين فحسب، ولكنها أيضا علاقة لها من التراث المعنوي أكثر من المادي.. فمصر أكثر دول المنطقة التي لا تحمل ثقلا سياسيا واستراتيجيا فحسب، بل أيضاً أحد أهم منابع الثقافة العربية والإسلامية، وبالتالي فإن الدور الحيوي والمحوري لمصر في الشؤون العربية والإقليمية والدولية لا يغفل أهمية ودور الإمارات على الساحة وتوجهها المتوازن في الشأن العربي والقضايا الإقليمية والدولية. وللمساهمة في إعادة الجسور بين البلدين، فإن السؤال لكل منهما يحتاج إلى إجابات سريعة.. فبالنسبة لمصر ثمة ضرورة - كما يقول عواد - لكي يضع مسؤولوها حدا لمراوحة العلاقة الثنائية بالتلويح بالعلاقة مع إيران، ومن الضروري أن تنتبه القوى السياسية المصرية لما تقوم به إيران التي تستثمر التطورات كما حدث عندما حرص وزير خارجيتها لزيارة مصر متزامنا مع اندلاع أزمة القبض على الخلية المصرية في الإمارات، في سياق آخر قام أعضاء بمجلس الشورى الإيراني بجولة تفقدية للجزر الإماراتية الثلاث التي احتلتها إيران لإحداث حالة من الاستفزاز والتشويش للعلاقات البينية العربية. ثمة حقيقة في ضمير الوعي المصري مؤداها أن الإمارات لن تستبدل بإيران لأسباب يصعب حصرها في ملفات التاريخ والجغرافيا، ولكن ذلك لابد أن ينتقل من التنظير والعموميات إلى الواقع والتفاصيل ويجد طريقه للتطبيق. تساؤل آخر تملك إجابته القاهرة وهو: لماذا تتأخر تسوية أوضاع الشركات الإماراتية في مصر (549 شركة) تبلغ استثماراتها 113 مليار جنيه (8.16 مليار دولار)، وبعد تكرار الوعود لتسوية أوضاعها لم يتحقق شيئا، فإن بعض الشركات تتجه لتصفية أعمالها، ولو لم تكن تلك الشركات إماراتية لكانت بالفعل هاجرت من مصر. والتساؤل الخاص بالإمارات: إلى متى تستمر مساعدة المعارضة المصرية المقيمة على أرضها، نعلم أن الإمارات ترحب بالجميع، وتحتضن من يحترم قوانينها ويلتزم بأنظمتها، ورغم أن مصالح الإمارات هم من يحددونها، إلا أنه من المصلحة المشتركة ألا تستمر مخططات وأبواق المعارضة للثورة المصرية منطلقة من الإمارات، وهناك فروق كثيرة بين الوفاء الإنساني، وبين غض الطرف عن مضار تعمل ضد مصر، أيضا فإن الإعلان عن قائمة اتهام المصريين الذين استوقفوا مؤخرا مسألة مهمة لمصر وللإمارات التي تعلي قيم العدل والحق، نعلم إن الإمارات تعامل ضيوفها بأخلاق الفرسان ولا تجيد إلا معاملة النبلاء، وهو من طبائع حكامها وشعبها، ولعل الإماراتيين يدركون أن الخلاف مع مصر خلال فترة الإدارة الحالية لن يكون بلا نهاية، ولن يكون خطرا مطلقا لأن هناك الجيش كما يرى الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة الذي قال بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم: أن ما يحدث في إيران لن يتكرر في مصر، وبرر ذلك بأن مصر لديها جيش قوي يراقب ما يحدث. هناك أحداث أوجدت أجواء إيجابية قد تؤدي إلى إزالة الضباب بين الدولتين بدأت بموقف حازم من شيخ الأزهر مع الرئيس الإيراني خلال زيارته مؤخرا للقاهرة، وتحذيره من تدخل إيران في الشأن الخليجي، وتلى ذلك تصريح للشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات الذي وجه التحية إلى شيخ الأزهر لموقفه الرافض للتدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة،وكتب على "تويتر": "تحية من الخليج لشيخ الأزهر الحر"، وهنا تفرض الأحداث علي الأزهر القيام بدورا لرأب الصدع بينهما، فمتى يتدخل الأزهر لإزالة حالة الاحتقان بين الدولتين؟ منذ السبعينيات عاش العديد من "الإخوان المسلمين" في الإمارات، وغالبيتهم معروفون للسلطات، ويعاملون بالمثل كباقي مواطنيهم، وتغيرت العبارات وتبدلت مواقف بعدما أعلنت الإمارات عن توقيف 60 عضوا من أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في الإمارات من بينهم 11 مصريا، ووجّهت لهم النيابة العامة تهما بـإنشاء تنظيم سرّي، وجناح عسكري، ويسعي لإقامة حكومة دينية، وسبق ذلك سحب الجنسية من عدد من الإماراتيين المنتمين لجماعة الإخوان. ونظرا لأن دول الخليج لا تتحمل الفوضى، فإنه في المقابل لا تبذل جهودا مصرية كافية لطمأنة هذه الدول "عمليا" ونفي مسألة تصدير الثورة، ومن الضروري توصيل حقيقة أن ذلك أمرا غير وارد مطلقا. السطر الأخير: ترقبي وصول قلبي متهافت للطيران إليك. فأنت الياسمين الذي أِشتهيه والحلم الذي يراوغني