14 سبتمبر 2025
تسجيلتسعى الولايات المتحدة بشكل خاص والغرب بشكل عام منذ أزمة النفط الأولى في منتصف السبعينيات للابتعاد عن اعتمادهما القوي على مصادر الطاقة من منطقة الشرق الأوسط المضطربة باستمرار، إلا أن هذا التوجه اكتسى طابعا ممنهجا في فترة رئاسة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون في تسعينيات القرن الماضي. وعلى مدى العقدين الماضيين حققت الولايات المتحدة تقدما ملحوظا في هذا الاتجاه، بحيث أصبحت أكثر اعتمادا على مصادر داخلية وخارجية أخرى بعيدا عن الشرق الأوسط إلا أن الجديد في هذا الأمر المهم، هو تحديد موعد نهائي أقرب من المواعيد التي حددت سابقا لاستقلال الولايات المتحدة والغرب عن النفط العربي، حيث يشير تقرير صدر مؤخرا عن شركة "بي.بي" البريطانية إلى أنه " بحلول عام 2030 ستكون أمريكا قد حققت استقلالا شبه كامل في مجال الطاقة بعد توسيع قدرات الإنتاج المحلية من النفط والغاز وزيادة الاستيراد من كندا المجاورة، ما يضعف من أهمية نفط الشرق الأوسط بالنسبة لها". وفيما يتعلق بتطوير مصادر الطاقة الداخلية في الولايات المتحدة، فقد تم في السنوات القليلة الماضية تحقيق إنجازات تقنية متطورة للغاية، تمكنت واشنطن من خلالها من المحافظة على مستويات مرتفعة من إنتاج النفط، في الوقت الذي تم فيه اكتشاف واستخدام تقنيات جديدة أدت إلى مضاعفة إنتاج الغاز في الولايات المتحدة، مما أوجد فائضا كبيرا في الأسواق العالمية وأدى إلى أن تهوى أسعار الغاز من أكثر من 11 دولارا للعقد الآجل إلى 2.5 دولار في الوقت الحاضر، وذلك رغم استمرار أسعار النفط في الارتفاع لتحقق مستويات قياسية، حيث تبلغ أسعار الغاز ربع أسعار النفط فقط عند معادلتهما، كمصدر للطاقة. وستتيح هذه التقنيات الجديدة الوصول لمكامن غاز باحتياطيات هائلة، كما أنها ستؤدي إلى تخفيض تكاليف الاستخراج والتي كانت مرتفعة في الولايات المتحدة، إذا ما قورنت بمثيلتها في المناطق الأخرى من العالم، وبالأخص في منطقة الخليج العربي. أما تلبية بقية الاحتياجات، فإنه سوف يتم تلبيتها بالاعتماد على البلدان النفطية القريبة في الأمريكيتين، ككندا والمكسيك وفنزويلا والتي حققت العام الماضي اكتشافات نفطية كبيرة وضعتها في مقدمة بلدان العالم في حجم هذه الاحتياطيات. في المقابل أشار تقرير شركة "بي.بي" إلى أن كلا من الصين والهند قد باتتا تعتمدان بصورة شبه كاملة على النفط المستورد من منطقة الشرق الأوسط، والخليج تحديدا، حيث تستورد الصين %80 من احتياجاتها، في الوقت الذي تستورد فيه الهند %90 من حاجاتها من النفط والغاز من هذه المنطقة. من هنا سوف نجد في السنوات القادمة تغيرات دراماتيكية في طبيعة التحالفات وتوزيعات مراكز القوى، حيث تشكل أحداث ما يسمى بالربيع العربي مقدمة للتغيرات القادمة، فالاصطفاف الجديد للقوى في منطقة الشرق الأوسط يحمل من بين طياته جوانب إستراتيجية واقتصادية وعسكرية عميقة ومؤثرة على مجمل التغيرات المتوقعة في العقدين القادمين. وإذا كانت البلدان المستهلكة للنفط والغاز تعد العدة لكل الاحتمالات وتضع الإستراتيجيات المستقبلية التي تضمن لها موارد مستمرة للطاقة من خلال تطوير مصادرها الداخلية ومن خلال نسج تحالفات جديدة تتيح لها إيجاد شراكات اقتصادية وإستراتيجية مع البلدان المنتجة للنفط، فإن الدول المصدرة، وبالأخص العربية لا يمكنها التعامل مع رد فعل البلدان المستهلكة بانتظار ما سوف يتمخض عنه صراعها من أجل تأمين مصادرها الخارجية من الطاقة. وبما أن العواقب سوف تتعدى موضوع إيجاد مصادر تصديرية لنفط البلدان المصدرة لتصل لتشمل جوانب سياسية وأمنية وعسكرية معقدة، فإن الاكتفاء بالتعامل مع ردود الأفعال فقط سيعرضها لتجاذبات حادة ومؤلمة، إذ إن الكثير من حسابات تحالفات دول المنطقة تعتمد وبصورة أساسية على تقديرات البلدان المستهلكة للنفط واحتياجاتها من مصادر الطاقة. وإذا ما صحت تقديرات النفط المكتشفة في فنزويلا والتي تتجاوز احتياطيات المملكة العربية السعودية، باعتبارها تملك أكبر احتياطي للنفط بالعالم في الوقت الحاضر، فسوف يبرز في العقد القادم أكثر من مركز رئيسي لإنتاج النفط والغاز في العالم، احدها في الشرق الأوسط والآخر في أمريكا الجنوبية وثالث في روسيا الغنية بمصادر الطاقة الهايدروكربونية. وفي هذه الحالة سيكون العالم قد شهد تغيرا جذريا في اصطفاف البلدان المنتجة والمستهلكة، مما سيترتب عليه توزيع جديد لموازين القوى والتحالفات العالمية ويتطلب من بلدان المنطقة من الآن وضع الإستراتيجيات والتحضير لهذا التغيير القادم.