16 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ اللحظات الأولى للثورة المصرية المجيدة وارتفاع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، تصاعد الجدل الشعبي حول البديل القادم إذا ما نجحت الثورة وسقط هذا النظام.. فقد كان الجميع يدرك أنه بالنظر إلى طبيعة النظام السياسي الذي كان يحكم مصر، حيث شخصية الرئيس هي المسيطرة وهي التي تملك كل الصلاحيات، فإن اختفاءها يعني وجود فراغ سياسي كبير خاصة في ظل عدم وجود مؤسسات سياسية أو إدارية قادرة على ملء هذا الفراغ. وحتى لحظة سقوط النظام وتنحي الرئيس حسني مبارك يوم 11 فبراير، تم طرح العديد من الأسماء التي يمكن أن تحل مكان الرئيس المخلوع وكان أبرزها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والعالم المصري الدكتور أحمد زويل وكذلك الدكتور محمد البرادعي رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق. لكن مع نجاح الثورة واتجاهها إلى تحقيق أهدافها، خاصة بعد أن حققت الهدف الأول منها والمتمثل في إسقاط رأس النظام الحاكم، توسع النقاش الشعبي حول مدى قدرة هذه الشخصيات المطروحة على تحقيق تلك الأهداف وليس فقط مجرد شغل المنصب والإحلال محل الرأس الطائر.. وتعمق هذا النقاش بطروحاته الجديدة مع تشكيل لجنة جديدة لصياغة إعلان دستوري مؤقت يتم على أساسه إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، ويرأس هذه اللجنة المستشار طارق البشري. فقد بدأت تظهر تيارات مناهضة للترشيحات التي تم طرحها خلال أيام الثورة والتي كانت تركز على شخصيات معروفة بهدف شغل منصب رئيس الجمهورية خوفا من الفراغ وليس أكثر.. خاصة بعد بدء التسريبات الإعلامية التي تزيل الهالة المقدسة التي كانت تحيط بهذه الشخصيات وتجعل فكرة ترشيحهم شيئا صعبا إن لم يكن مستحيلا.. حيث بدأت مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام على الشبكة العنكبوتية تشهد الكثير من التسريبات التي تشير إلى علاقة أحد الشخصيات المطروحة بالنظام السابق الذي خدمه لعشرات السنين في مواقع مهمة وكذلك ما يتعلق بشخصية أخرى لها علاقتها القوية بالدولة الإسرائيلية التي زارها أكثر من مرة لتسلم جوائز علمية أو للمشاركة في تطوير أسلحة ليزرية. إضافة إلى أن التعديلات التي أقرتها "لجنة تعديل الدستور" بشأن الصفات المرجوة في الشخصيات المرشحة للانتخابات الرئاسية، جاءت لكي تساهم هي الأخرى في إقصاء بعض تلك الشخصيات المطروحة، حيث نصت مواد الدستور المعدلة الخاصة بشروط الترشح للمنصب الرئاسي على ضرورة ألا يكون المترشح أو أحد والديه يحمل جنسية أخرى غير الجنسية المصرية أو أن يكون متزوجا من أجنبية، وهو ما يعني استبعاد شخصيتين من الشخصيات المطروحة وهما الدكتور أحمد زويل الذي يحمل الجنسية الأمريكية وكذلك الدكتور البرادعي. في مواجهة هذه التطورات بدأ الكثيرون يفكرون في ترشيح شخصية تكون محل إجماع وطني لتكون بديلا حقيقيا يستطيع أن يساعد في تحقيق أهداف الثورة.. وهنا بدأت تظهر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تطرح المستشار طارق البشري رئيس لجنة تعديل الدستور، كمرشح للمنصب الذي سيلعب دورا مهما في وضع ركائز الدولة الديمقراطية الحديثة في مصر والتي ستقوم على أسس الجمهورية البرلمانية.. لكن لماذا المستشار البشري؟ إن الرئيس القادم لمصر سيكون هو المسؤول الأول عن تشكيل البنية الأساسية للدولة الديمقراطية في مصر.. وهذه المسؤولية العظيمة تحتاج إلى رجل صاحب صفات وخبرات من نوع خاص لعل أهمها: أولا: أن يكون بعيدا كل البعد عن النظام السابق وأزلامه وكل سياساته الإجرامية في حق مصر شعبا ودولة. ثانيا: أن يكون مقبولا من كافة فئات وأطياف الشعب المصري. ثالثا: أن يكون صاحب خبرات قانونية ودستورية تمكنه من فهم طبيعة المرحلة التأسيسية المقبلة والتي لن تقتصر فقط على بناء دستور جديد للبلاد يكون عصريا بكل ما يعنيه ذلك من ضمان قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.. ولكن أيضا مراجعة كافة القوانين التي تحكم المجتمع المصري في شتى المجالات وضمان اتساقها مع القيم والمبادئ التي سيتم تضمينها في الدستور الجديد.. هذا فضلا عن إعادة هيكلة المؤسسات ذات الطبيعة السيادية والمؤثرة في البنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مصر لتتوافق مع النهج الجديد. رابعا: أن يقوم بتسليم مصر "الجديدة" إلى شعب مصر "الجديد" بعد إتمام المهمة على خير وجه. والمستشار طارق البشري هو واحد ممن يستطيعون إتمام هذه المهمة.. ولعل سيرته السابقة تؤكد ذلك.. لنقرأ: المستشار طارق البشرى واحد من قمم الفكر في مصر والعالم العربي والإسلامي.. وواحد من قلة يحظون بإجماع كامل على الاحترام والتقدير حتى ممن يختلفون معه فكريا.. وقد عينه المجلس العسكري الأعلى في مصر رئيسا للجنة صياغة الدستور يوم 14 فبراير 2011 بعد نجاح الثورة الشعبية المباركة.. وذلك بالنظر إلى تاريخه الناصع في مجال الفقه القانوني والدستوري.. حيث إنه شغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، ورئيسا للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع عدة سنوات، وترك ذخيرة من الفتاوى والآراء الاستشارية التي تميزت بالعمق والتحليل والتأصيل القانوني الشديد. كما تميزت بإحكام الصياغة القانونية، ولا تزال تلك الفتاوى إلى الآن تعين كلا من الإدارة والقضاة والمشتغلين بالقانون بشكل عام على تفهم الموضوعات المعروضة عليهم. جدير بالذكر أن المستشار البشري هو سليل عائلة عرف عنها اشتغال رجالها بالعلم الديني والقانون، إذ تولى جده لأبيه سليم البشري (1828-1914م) - شيخ السادة المالكية بمصر - منصب شيخ الأزهر، وكان عمه عبد العزيز البشري من أشهر أدباء مصر (توفي 1943م)، أما والده المستشار عبدالفتاح البشري فقد كان رئيس محكمة الاستئناف حتى وفاته سنة 1951م. وقد ذكرت إحدى الصحف المصرية المستقلة خلال تقديمها البشري قبيل صدور الكتاب الأحدث له تحت عنوان "الدولة والكنيسة".. أن ما يكتبه المستشار البشرى لابد أن يُقرأ بتأنٍ شديد، مع انتباه كبير، فلا ينفع مع كتبه الكسل أو استقطاع وقت القراءة، في نظرة إلى كتاب آخر. فهو واحد ممن اتفق عليه الجميع، حتى أن المختلفين معه يحترمون آراءه، لأنه ممن يعرفون قدر الكلام، وأهمية فعل الكتابة.