19 سبتمبر 2025

تسجيل

الغراب الأسود في أبوظبي والحمامة البيضاء في الدوحة

04 فبراير 2019

والله كانت لنا أيام مع خيرة مثقفي الإمارات وإعلامييها حين كانت تطمح إلى دور فكري خليجي وعربي وكنا نستأنس بندواتها وبجلسات أتيحت لنا في جامعة الشارقة مع بعض آل القاسمي، فماذا دعا حكام اليوم حتى يحولوا دولتهم إلى ما سموه هم أنفسهم بعش الغراب الأسود وهو مصطلح خلية التجسس الالكتروني على النخب الخليجية كشفتها أخيرا وكالة (رويترز) للأنباء ويوظف فيها خبراء ممن كانو أعوانا في وكالة الأمن القومي الأمريكي مهمتهم التنصت على رؤساء دول مفترض أن تكون شقيقة لدولة الإمارات والتلصص على مكالمات وايميلات شخصيات عربية مستقلة. الغريب أن عش الغراب الأخير هذا هو الحلقة الأخيرة من سلسلة المهازل المتماسكة من الممارسات العجيبة الممنهجة تهدف الى زعزعة أمن الخليج والعالم العربي بتمويلات اماراتية، نفس التمويلات التي اختارت دولة قطر مثلا أن تنفقها على نجدة الأشقاء الغزاويين وهم يعانون حصارا (أخويا) من الجيران وحصارا إسرائيليا جائرا فقدمت قطر بتوجيهات من أميرها المعونات لمواطني قطاع غزة لتوفير الكهرباء والدفء والدواء ورواتب الموظفين ومدارس للأطفال ومساكن للأسر الفلسطينية مع حرص دبلوماسي على دعم مواقف المظلومين والمستضعفين في القطاع وهم من خيرة الماسكين على جمر قضيتهم العادلة نفس القضية التي تسعى الإدارة الأمريكية أن تصفيها ضمن ما يسمى بصفقة القرن. في حين يتولى أحد الفلسطينيين الهاربين من عدالة بلاده القيام بمهام الغراب الأسود فيمول بمبالغ إماراتية إنشاء مراكز في باريس ظاهرها أكاديمي! وباطنها مؤامراتي ضد أمن تونس وليبيا وهما تعانيان تدخلات سافرة في شؤونهما لأن تونس نجت نسبيا مما وقعت فيه شعوب الربيع العربي ولم يتحقق فيها سيناريو مصري ولأن ليبيا تدحرجت الى غياب الدولة وفقدان الوفاق بين فصائلها فانحازت قوى الغراب الأسود إلى خليفة حفتر من أجل توتير المناخ الأمني وتغليب العسكري على السياسي في حين أدرك العالم أن دولة قطر اختارت تضميد جراح ليبيا الشقيقة كما فعلت من قبل بين الأشقاء اللبنانيين والسودانيين والفلسطينيين وهي تسعى اليوم الى تقريب المتخالفين على الساحة الأفغانية في الدوحة وباعتراف الشريك الأمريكي من أجل إطفاء حريق أفغاني قديم ظل جمره مولعا تحت الرماد منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان الى اليوم. يمكن القول ان الغراب الأسود معشش في أبوظبي بينما الحمامة البيضاء بنت عشها في الدوحة فلا يتعايش طائر الشؤم الأسود مع طائر السلام الأبيض. اليوم أفاق الرأي العام العالمي على حقيقة ساطعة ناصعة حين يشهد على زيارة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد هذه الأيام الى سيول وطوكيو وبيجين لتوقيع اتفاقيات قطرية مع هؤلاء العمالقة الآسيويين منصات الصناعات المتطورة، وتعد قطر المزود الثاني العالمي للصين لمادة الغاز المسال والشريك الاقتصادي العربي الأول لكوريا الجنوبية واليابان وقطر هي الدولة التي انحازت لخيار الاستثمار في الإنسان بأدوات التربية والتعليم لا في قطر فحسب بل عبر القارات الخمس بفضل مشروع صاحبة السمو الشيخة موزا الرائد الهادف إلى توفير التعليم لعشرة ملايين من أطفال العالم المحرومين منه والمهددين بالارهاب والعنف والوباء والجوع. في سجل آخر كانت مباراة كرة القدم التي دارت على أرض أبوظبي بين الفريق الوطني القطري والفريق الوطني الإماراتي ضمن بطولة الآسيوي رمزية إلى حد كبير رغم البعد بالرياضة عن السياسة لأنها أكدت للعالم ما تميز به شباب قطر من سلوك حضاري أخوي وما لاحظه الجمهور لدى بعض لاعبي الإمارات من تهور وعداء إلى جانب بعض المدارج التي ألقت بالأحذية على ضيوف الإمارات وهم يلعبون بلا مشجعين وبلا حقد! كانت الرمزية في نصر فريق الدوحة بلا عناء على فريق معزز بآلاف الهاتفين المتحمسين على أرضه وهو ما رفع تلك المباراة إلى مرتبة الرمز المعبر عن لقاء عابر بين غراب وحمامة. يعجب المرء من (غراب أسود) وهو اسم عملية التلصص التي حققت فيها وكالة (رويترز) مما يزيد الوضع المتأزم في الخليج سوادا فيحول دولة خليجية شقيقة إلى وكر لتجسس أمريكي على العرب وعلى الأمريكان في ذات الوقت وهو ما دعا السيدة (لوري سترود) واحدة من أولئك الذين انضمّوا إلى المشروع الى تقديم استقالتها من وكالة الأمن القومي الأمريكي بعد أن عملت مع فريقها داخل أحد القصور في أبوظبي لمساعدة الإمارات على اختراق الهواتف وأجهزة الكمبيوتر وقالت السيدة سترود: «أدركت انني أعمل مع وكالة استخبارات أجنبية تستهدف أمريكيين لقد شعرت لحظتها بأني سأكون جاسوسة من النوع السييء وخائنة لوطني» يضاف هذا الى رصيد الدبلوماسية الإماراتية من تراكم الأخطاء وسوء التقدير.