31 أكتوبر 2025

تسجيل

مفلس الدنيا ومفلس الآخرة

04 فبراير 2016

عندما يصاب المرء بضيق في العيش يضجر وتضيق نفسه ويوصف بالمفلس، وهو الذي ليس عنده درهم ولادينار كما أجاب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سئلوا عن المفلس، ولكن هناك مفلس الآخرة وهو من لايستفيد من حسناته بسبب اعتداءاته، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم، فالرجل العظيم حقا كلما حلق في آفاق الكمال اتسع صدره وامتد حلمه وعذر الناس من أنفسهم والتمس المبررات لأخطائهم، فإذا عدا عليه أحدهم يريد تجريحه نظر إليه من قمته كما ينظر الفيلسوف إلى صبيان يعبثون في الطريق وقد يرمونه بالأحجار، فقد تتفاوت درجات الناس في الثبات أمام المثيرات فمنهم من تستخدمه التوافه فيتزين بالحماقة على عجل، ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقى على وقعها الأليم محتفظا برجاحة فكره ودماثة خلقه .فإنه حري بالمسلم الذي استروح نسمات الإيمان الندية وخالطت نفسه بشاشة الإسلام السمحة، أن يعلم أن اللسان له تبعات خطيرة ربما تكون سببا لحتف الإنسان في المهالك فهو يحفظ لسانه من كل سوء ومن اللعن والسب والشتم وما يكون سببا للقطيعة بين المسلمين، لذلك فهو عنها بعيد جدا، وإنه ليزداد عنها بعدا كلما تبدت له الأسوة الحسنة مجسدة في هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لم تصدر عنه كلمة واحدة تخدش سمع السامع، أو تجرح شعوره أوتمس كرامته، ويبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذروة في اجتثاث عوامل الشر والحقد والعدوان من النفوس حتى يصور للمسلمين المصير الأسود الخاسر لمن أطلق لسانه في أعراض الناس، فإذا بتلك الشتائم الجوفاء والقذف الأرعن والاعتداءات البشعة الرخيصة التي بدرت منه ذات يوم تأتي على كل ما جناه في حياته من حسنات، وترده مفلسا خالي الأعمال من كل عاصم يعصمه من النار يوم الحساب الرهيب، ذلك أن اللعن قذيفة طائشة خطرة يدفع إليها الغضب الأعمى أكثر مما يدفع إليها استحقاق العقاب، واستهانة الناس بهذه الشتائم واللعنات لا تليق، لأنه لا يفلت من وبالها أحد، فإذا ضبط المسلم نفسه بالخلق الحسن عند الغضب فبدهي ألا يجري على لسانه سباب أوهجر من القول أوفحش أو لعن، فينزه لسانه عن كل بذيء، ويلتزم بتوجيهات الإسلام الخلقية التي نفرت من كل خلق سيئ تنفيرا جعل حس المسلم لا يطيق سماع مثل هذه العبارات، ولذلك كان ضبط النفس عند ثورة الغضب دليلا على القدرة، لقد جاء الإسلام يعدل من هذه النزوات ويقيم أركان المجتمع على الفضل، ولن تتحقق هذه الغاية إلا إذا هيمن العقل الراشد على غريزة الغضب، فكثير من النصائح التي أسداها الرسول-صلى الله عليه وسلم- للعالم أجمع كانت تتجه إلى هذا الهدف، حتى اعتبرت مظاهر الطيش والتعدي انفلاتا وانطلاقا من القيود التي ربط الإسلام بها الجماعة فلا تميد وتضطرب، فسباب المسلم فسوق وقتاله كفر.