19 سبتمبر 2025

تسجيل

الانقلابات العسكرية الأمريكية بين مصر وأوكرانيا

04 فبراير 2014

تؤكد التطورات التي وقعت في مصر منذ ما قبل الانقلاب العسكري في يوليو الماضي أن الولايات المتحدة لعبت الدور الأكبر في الترتيب لهذا الانقلاب وتنفيذه بيد عملاءها في المؤسسات الأمنية وباقي مؤسسات الدولة، وبوجه مدني يتمثل في المعارضة العلمانية. وبعد الانقلاب قامت بتقديم الدعم السياسي له من خلال عدم توجيه الانتقادات لقادته أو للمذابح التي يتم ارتكابها ضد أبناء الشعب المصري، فضلا عن تقديم الدعم المادي من خلال معونات مباشرة أو غير مباشرة تدفعها بعض دول الخليج. والجدير بالملاحظة أن الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر ليس هو الأول من نوعه الذي تقوده الولايات المتحدة، بل قادت انقلابات عديدة طوال سنوات القرن العشرين وحتى الآن ضد الأنظمة التي حاولت الوقوف ضد الهيمنة الأمريكية أو الإضرار بما تعتبره مصالحها القومية في العالم. حدث ذلك في دول أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا وآسيا. وترتب على هذه الانقلابات دخول تلك البلدان في آتون حروب أهلية وصراعات، راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر.و يجري هذه الأيام آخر محاولات تنفيذ انقلاب عسكري بترتيب من الولايات المتحدة في أوكرانيا، التي يتحالف رئيسها مع روسيا العدو التقليدي لواشنطن. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تقوم بتنفيذ سيناريو موحد للانقلابات العسكرية، فما يحدث الآن في العاصمة الأوكرانية هو تقريبا نفس ما شهدته القاهرة خلال الشهور الماضية، حيث تخرج المعارضة في الشوارع لإجبار الرئيس المنتخب على تقديم تنازلات مؤلمة لا يستطيع تقديمها وبالتالي استخدام هذه الحجة في اللجوء للعنف ضد مؤسسات الدولة، لإعطاء الفرصة للمؤسسة العسكرية التي تتحالف سرا مع المعارضة لتوجيه إنذار إلى الطرفين لإيجاد حلول سريعة حتى لا يؤدي ذلك إلى الإضرار بسلامة الوطن.وهذا ما حدث في البيان الذي أذاعه الجيش الأوكراني ودعا فيه الرئيس إلى اتخاذ تدابير عاجلة لإحلال الاستقرار في البلاد، مشيرا إلى أن تصعيد المواجهة يهدد وحدة أراضي الدولة. وهو البيان الذي يذكرنا ببيان الجيش المصري عشية أزمة الاتحادية في ديسمبر من العام الماضي، حينما دعا كافة الأطراف إلى ضرورة العمل على حل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد خشية تأثيرها على سلامة ووحدة أراضي الدولة. ومن المتوقع أن تأخذ الأزمة مجراها في أوكرانيا في حال لم يتخذ الرئيس موقفا قويا ضد العنف المستخدم في مواجهة مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذي دعا إليه سيرغي غلازييف أحد مستشاري الرئيس الروسي، الذي اعتبر ما يجري بمثابة "انقلاب" تنفذه الولايات المتحدة وحلفاؤها، معتبرا أن على الرئيس الأوكراني أن "يقضي" على المعارضة إذا أراد عدم خسارة السلطة. لأنه إذا لم يقم بذلك فسيخرج الجيش ببيان جديد يعطي فيه الأطراف مهلة 48 ساعة لحل الأزمة، تماما كما فعل الجيش المصري في الأول من يوليو الماضي كذريعة لإعلان انقلابه على الرئيس مرسي.ويأتي بيان الجيش الأوكراني رغم قيام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بمقابلة وفد من قادة المعارضة على هامش مؤتمر الأمن الدولي في مدينة ميونيخ الألمانية، وتأكيده أن الإجراءات لتي تعهد رئيس أوكرانيا باتخاذها لتلبية طلبات المعارضة في بلاده ليست كافية، مضيفا أنه إذا ظهرت مؤشرات لتقدم حقيقي في إشراك المعارضة في السلطة، فإن الولايات المتحدة ستشجع المتظاهرين على التعاون من أجل الوحدة والسلام. لكن يبقى التأكيد على أن مخططات الإدارة الأمريكية لن تنجح هذه المرة، لأنها ما زالت تصر على استخدام نفس أدوات القرن العشرين للقضاء على أنظمة الحكم المعارضة لها، لكنها ربما لا تلاحظ أن هذه الأدوات ما عادت تصلح في القرن الحادي والعشرين وأن الشعوب لن ترضى بأن يحكمها عملاء تابعون لواشنطن. وكما أن الانقلاب يترنح الآن في مصر، فمن المؤكد أنه لن يمر في أوكرانيا لأن السلطة هناك تعلمت درس مصر جيدا ولن تسمح للأزمة بالوصول إلى نهايتها المخطط لها، وحتى إذا مرت ووقع الانقلاب فلن يستمر طويلا.