11 سبتمبر 2025

تسجيل

مؤتمر الكويت: مكابدات شعب يئن

04 فبراير 2013

لم تكن لدي دراية كاملة بحجم العذابات التي يكابدها الشعب السوري من فرط استخدام القوة ضده من قبل نظام يرأسه حاكم شديد القسوة هو بشار الأسد الذي أظن أنه تجرد من البعد الإنساني مما جعله يوغل في القتل والاغتيال وتدمير البشر والحجر وفق تعبير الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي. غير أن مشاركتي في المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا والتي احتضنته الكويت قيادة وحكومة بل وشعبا جعلني أقترب أكثر من الملامح الحقيقية لهذه العذابات في ضوء متابعتي لتقارير ومداخلات المشاركين فيه. فتيقنت أننا كعرب مقصرون في حق أشقائنا السوريين الذين انتشروا في البلاد مشردين ونازحين ولاجئين يسكنهم الجوع والبرد والمرض وغياب شروط الحد الأدنى من المتطلبات اليومية سواء الذين فرض عليهم التهجير قسرا إلى الخارج أو إلى الداخل فالكل متعادل في المكابدات والعذابات. ما رصدته من حقائق في المؤتمر ينبئ عن أن النظام الحاكم في سوريا تحول إلى جلاد وقاتل لشعبه كما وصفته من قبل واللافت أنه لا يعير هذه العذابات أي اهتمام كل ما يهمه هو البقاء في السلطة ولا يتورع بشار عن الإعلان عن ترشحه لانتخابات الرئاسة خلال العام المقبل بعد أن تنتهي ولايته الحالية التي هي في الأساس غير شرعية لأنها لم تنهض على آلية صندوق الاقتراع بل إن وصوله إلى منصب الرئيس تكتنفه عوامل اللاشرعية فقد عدل الدستور لصالحه في أقل من ربع ساعة من برلمان معين بالأساس رغم شكلانية انتخاب أعضائه قبل أكثر من اثني عشر عاما. وكان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت والذي احتوى المؤتمر بكل أحاسيسه الإنسانية ومهاراته السياسية واضحا في عرض حقائق مكابدات أشقائنا في سوريا في مداخلته الافتتاحية للمؤتمر عندما ذكر بالحرف الواحد: لقد أرعبنا التقرير الأخير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان والذي أكد وقوع أكثر من ستين ألف قتيل من الضحايا الأبرياء من رجال ونساء وأطفال وتضاعف عدد المفقودين والمعتقلين والجرحى حيث وصل إلى عدة مئات من الآلاف إضافة إلى أكثر من ستمائة ألف لاجئ في دول الجوار يعانون أوضاعا معيشية مأساوية في ظل ظروف مناخية قاسية. وفي رأي الشيخ الصباح فإن هول الكارثة وعظم المصيبة يتطلب تضافر الجهود بمسعى دولي متكامل لتنسيق تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين والنازحين السوريين في الداخل والخارج وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم من مأوى ومأكل وملبس داعيا المجتمع الدولي للعمل وبأقصى طاقة ممكنة لمواجهة تلك الكارثة والإسراع لحقن دماء الشعب السوري والحفاظ على ما تبقى من بنية تحتية معتبرا أن تلك الكارثة الإنسانية والحقائق المفزعة والواقع الأليم سببه تجاهل النظام لمطالب شعبه العادلة وعدم قبوله بالمبادرات الإقليمية والدولية الساعية إلى إنهاء هذه الكارثة لافتا في الوقت نفسه إلى أن ما يضاعف من معاناة أبناء الشعب السوري أن أفق هذه الأزمة لا تلوح به بوادر حل ليضع حدا لنزيف الدم وينهي آلام شعب يعاني التشرد. والشاهد أن المؤتمر نجح في حشد تعهدات تجاوزت المليار ونصف المليار دولار وفق ما كان مستهدفا وفق مبادرة "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة والتي تفاعلت معها القيادة الكويتية باحتضان المؤتمر بيد أن هذا المبلغ مخصص لمواجهة متطلبات اللاجئين والنازحين السوريين خلال فترة الأشهر الستة المقبلة ومن ثم يبقى السؤال: ماذا بعد هذه الفترة وهو ما يستوجب عقد المزيد من المؤتمرات حسب اقتراح الرئيس اللبناني العماد ميشيل سليمان؟ ولكن من سيملك الحماس لاستضافة مؤتمر جديد خاصة إن لم يتم العثور على حل ينهي مكابدات الشعب السوري؟ في تقديري أن قطر بحكم تفاعلها الحميم مع ثورة الشعب السوري هي الأكثر قدرة على احتضان مؤتمر يحشد المزيد من التعهدات لتوفير القدر الضروري من احتياجات اللاجئين ولكن في حال سقوط النظام الحاكم - وهو ساقط لا محالة بحول الله تعالى ثم بإصرار الثوار على المقاومة رغم غياب التوازن في القوة وفي الإمكانات - فإنه يتعين المسارعة بتنفيذ الاقتراح الذي قدمه الدكتور خالد بن محمد العطية وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية لمؤتمر الكويت في عقد مؤتمر دولي للمانحين بالتنسيق مع الأمم المتحدة بهدف حشد الدعم لتمويل عمليات البناء والإعمار وحسب منظوره فإنه يتعين منح الشعب السوري في هذه المرحلة مؤشرات قوية على أن المجتمع الدولي سيقف معه، ويشد أزره بعد إسقاط النظام، واستكمال النصر، وسيساهم بإيجابية وفعالية في بناء المدارس والمستشفيات والمصانع والمؤسسات الخدمية والاقتصادية التي دمرتها قوات النظام لافتا إلى فظاعة أحوال السوريين في الداخل عبر قوله: يكفي ما شاهدناه قبل أيام قليلة على شاشات التلفزيون من أوضاع مزرية للنازحين في ريف دمشق والذين لا يجدون المأوى، ويبحثون عن الدواء والغذاء والغطاء لأطفالهم في هذا الطقس البارد والماطر، وهم في العراء لا حول لهم ولا قوة فالنظام -كما يؤكد - يزيدهم بطشا وقهرا، وتنكيلا والمجتمع الدولي يتفرج على مأساتهم ولا يحرك ساكنا. ما لفت انتباهي في مؤتمر المانحين هو أن دول مجلس التعاون الخليجي بادرت بالتبرع بما يقترب من ثلثي تعهداته المالية، فقد قدمت الكويت والسعودية والإمارات ما قيمته 900 مليون دولار وبلغ ما قدمته قطر خلال الفترة الماضية وفق العطية أكثر من 326 مليون دولار من الحكومة إضافة إلى أكثر من 50 مليون دولار من الجمعيات الخيرية، ولم تبخل البحرين رغم معطياتها الداخلية بالتبرع بعشرين مليار دولار. ولاشك أن تقديم هذا العون للشعب السوري في هذه المرحلة الخطيرة من ثورته والتي يدفع هو كلفتها الباهظة من أرواح أبنائه ومن تدمير البنية التحتية ينطوي على توجيه رسالة أمل له حسب تعبير أمير الكويت وإشعاره بأن ثمة تضامن عربي ودولي حقيقي مع معاناته وفق تعبير الرئيس اللبناني العماد ميشيل عون في لقاء سريع مع كاتب هذه السطور على هامش مؤتمر الكويت. السطر الأخير: كوني ملجأي من عذابات الروح أعطيك الضفاف فامنحيني النهر أسلبيني وجعي جرديني من عرى الشعر دثريني بعينيك