14 سبتمبر 2025
تسجيلالعمل الوظيفي في حقيقته نعمة لصاحبه، حيث يسَّر الله له أن يكون مسؤولًا في قطاع معين أو وظيفة معينة ليكون عونًا لغيره، فيلبِّي طلبات المواطنين ويقوم على خدمتهم من موقعه هذا. وإن كانت الوظيفة في الأصل تكليفًا من الدولة يتقاضى صاحبها أجرًا على تأدية عمله، فإن جوهر العمل الوظيفي هو الاجتهاد في خدمة المواطن والمقيم والتيسير على كل ذي مطلب من باب ابتغاء وجه الله أولًا، ثم إتقان العمل كما يجب أن يكون، وكذلك طلبًا للأجر والمثوبة من الله لتقديم العون لإخوانك والتيسير عليهم في قضاء أعمالهم ورفع المشقة والتعسف عنهم. فالموظف الناجح هو الذي يعلم جيدًا أنه موجود في منصبه لخدمة الناس، فيتعامل معهم بكل لطف وود، يقابلهم بالابتسامة، بل ويذلِّل لهم الصعاب ويعدهم بالسرعة والإنجاز في تلبية مطالبهم وانقضائها، فيجب على كل موظف، مهما علا منصبه، أن يحرص على تأدية رسالته في منصبه بكل أمانة وإتقان وتواضع بشكل يترك له أثرًا طيبًا بعد ترك هذا المنصب. ولا شك أن الأثر الطيب يبقى وإن غادر صاحبه المكان، وما دام الموظف في موقعه يجب عليه التواضع والتخلي عن الكبر والتعالي، فمصالح الناس واجب عليك قضاؤها وتيسيرها؛ لأن هذا من صميم عمله. وليعلم كل مسؤول أن الله مطلع عليه في موقعه ويرى صنيعه تجاه عمله، فكما حثنا ديننا الإسلامي السمح على العمل أمرنا بالإتقان فيه، والإتقان الحقيقي لا يتحقق إلا بخدمة الناس وإسعادهم، ومَن تعمد تعطيل مصالح الناس وتأجيل أعمالهم ولو كانت صغيرة لن يصل إلى الإتقان بلا شك؛ لأنه شق على الناس ولم ييسر عليهم قضاء مصالحهم، فهو على خطر عظيم.. فقد جاء في الحديث الشريف عن عائشة - رضي الله عنها – أنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يقُولُ في بيتي هَذَا: «اللهمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمرِ أُمَّتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أمرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» فكل شخص أُسنِدت إليه وظيفة يقوم فيها على خدمة الناس وقضاء مصالحهم، لا بُدَّ أن يضع هذا الحديث نصب عينيه ويتقي الله في عمله ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فيجتهد في التيسير على المواطن والمقيم ؛ لما في ذلك من مكانة كبيرة عند الله تعالى.. فقد جاء في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلًا جاء إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس» . فنصيحتي لكل موظف وموظفة في الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات والإدارات والأقسام التي تقوم على تيسير مطالب المواطنين والمقيمين وقضاء مصالحهم أن يحرصوا على الإتقان في أعمالهم بتذليل الصعاب وبذل الجهد والوقت لإسعاد الناس والتعامل بالرفق واللين والتحلي بالتواضع الذي يزيد الإنسان رفعة ومكانة لا تحققهما له المناصب مهما علت، والتخلي عن الكبر والتعالي لأنهما يقضيان على روح الأخوّة والألفة وينشران البغضاء والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد، فلا بُدَّ أن يقوِّي بعضنا بعضًا ويحرص على قضاء مصالح الناس كأنها حاجته الشخصية، فالتعاون على النفع والخير للآخرين دلالة على صفاء القلوب ونقاء السريرة وحب الخير للآخرين.