01 نوفمبر 2025
تسجيلخبر زيارة وفود المجلس القومي لحقوق الإنسان للسجون المصرية وعلى رأسها سجن العقرب سيئ السمعة يستحق الترحيب الحذر، الترحيب لأن تفقد ممثلي المجلس لتلك السجون يفترض أن يكون خطوة عملية لمتابعة ما يجري فيها والتثبت من مدى صحة الشكاوى التي باتت تملأ الآفاق حول تدهور أوضاعها وسوء معاملة السياسيين فيها. أما الحذر فراجع إلى خبرتنا السابقة مع مثل هذه الزيارات حين وظفتها وزارة الداخلية في أحد أفلامها الوثائقية التي استهدفت الدعاية وتبييض الوجه وتكذيب التقارير السلبية التي صدرت في مصر وخارجها بخصوص المعاملة والتعذيب وراء أسوار السجون المصرية.لا أستطيع أن أقطع بأن الزيارات ستتم، ولكنني استندت فيما ذكرت إلى ما نشرته الصحف القومية يوم السبت الماضي (٢/١) حول نتائج اللقاء الذي تم بين رئيس المجلس القومي السيد محمد فايق وبين وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار. ورغم أن ما نشرته الصحف تضمن تفصيلات عدة إلا أن أهمها كان الاتفاق على تنظيم تلك الزيارات لسجون العقرب وبورسعيد والمنيا وقنا. (لم تشرح لنا التقارير المنشورة ما إذا كانت تلك العناوين على سبيل الحصر، أي أن الزيارات ستكون لهذه السجون دون غيرها ولماذا وقع الاختيار عليها، أم إنها على سبيل التمثيل فقط). وكان مفهوما أن لقاء السيد فايق مع وزير الداخلية تم بعد استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسي للأول. وهو اللقاء الذي أعلن السيد فايق في أعقابه بأن الرئيس يعتبر حقوق الإنسان قضية أساسية في مصر، ورغم أن ذلك أمر طيب، إلا أن ثناءه على الرئيس الذي يعد تحصيلا حاصلا لم يكن يتطلب ترتيب لقاء معه، وإذ ترك الأمر للتخمين والاستنتاج، فإن ما نشر عن اللقاء الذي تم مع وزير الداخلية يصلح لأن يكون مؤشرا لمضمون ما دار في الاجتماع الرئاسي، الذي تم في أجواء تدهورت فيها سمعة وزارة الداخلية. إذ حفلت مواقع التواصل الاجتماعي وتقارير المنظمات الحقوقية المستقلة بنداءات التنديد بممارساتها التي بدا بعضها صادما للرأي العام. وهو استنتاج إذا صح فإنه يستدعي عدة ملاحظات منها ما يلي:• إن استفتاح العام الجديد بمحاولة تحسين صورة وزارة الداخلية يشيع شعورا بالإحباط واليأس بأكثر مما يفتح باب التفاؤل والأمل، وذلك إذا صح فإنه لن يختلف كثيرا عن معالجة مبنى خرب بتجديد طلائه. ذلك أن الرسالة الوحيدة التي نقرؤها في هذه الحالة محملة بإيحاء واضح خلاصته إن ما كان في عام ٢٠١٥ سوف يستمر في العام الجديد لكنه سيغلف بجهد مختلف للتجمل، ظهرت بعض شواهده في وسائل الإعلام. وجاء الدور في ذلك على المجلس القومي لحقوق الإنسان ليؤدي دوره المرسوم.• إننا نخطئ كثيرا إذا اعتبرنا ما يجري في ملفات حقوق الإنسان منسوبا إلى ممارسات وزارة الداخلية وعناصر جهاز الأمن الوطني. ذلك أن الداخلية لا تنفرد بسياسة خاصة بها، ولكن ما تقوم به يظل جزءا من سياسة الدولة. لذلك فليس المطلوب أن تغير الداخلية سياستها فقط، لأن المطلب الأساسي ينبغي أن يثير التساؤل حول حقيقة موقف وسياسة الدولة إزاء ملف حقوق الإنسان.• إن المجلس القومي لحقوق الإنسان إذا قام بدور «المحلل» فإنه يفقد رصيده وشرعيته وما تبقى له من ثقة واحترام. أدري أن رصيد المجلس تراجع كثيرا بعد الزيارة الفاضحة التي قام بها بعض أعضائه لسجن العقرب وامتدحوا الداخلية خلالها، إلا أن استنكار بعض الأعضاء الآخرين لما يجري آنذاك أبقى على شيء من الكرامة للمجلس. وهذا القدر الضئيل من الثقة المتبقي مرشح للتبديد والاندثار، إذا قدر لوفود المجلس أن تزور السجون لتجميل وزارة الداخلية والتستر على ممارساتها.• إنه ليس مفهوما على الإطلاق أن يسمح لأعضاء المجلس القومي وحدهم بزيارة السجون ــ بعضها وليس كلها ــ في حين ينكر ذلك الحق على المنظمات الحقوقية المستقلة، التي لا يشك في أمانة أعضائها ونزاهتهم. وليس هناك تفسير لذلك التمييز سوى أن لدى الداخلية ما تخفيه وتخجل من اكتشاف الحقوقيين المستقلين له، ناهيك عن أن هذا الموقف يشكك في تواطؤ أعضاء المجلس القومي وتسترهم على الانتهاكات الحاصلة في السجون.• إن موقف السلطات إزاء منظمات حقوق الإنسان، يبعث على الريبة والدهشة، إذ رغم أنها قضية واحدة لا تحتمل الاجتهاد ولا اختلاف وجهات النظر، فإن الحكومة شكلت مجلسها الذي صار ضمن القطاع العام، والمجتمع تشكلت له مجالس أخرى أصبحت ضمن القطاع الخاص المنبوذ وغير المرضي عنه. وربما أسهم في التخفيف من وقع هذه الصورة الشاذة أن يتم تشكيل وفد مشترك من الطرفين، على الأقل في عملية زيارة السجون والاطمئنان إلى أوضاعها. حيث يظل ذلك الدليل الوحيد على حسن النية والحرص على الاطمئنان وليس الإخفاء والتستر.