15 سبتمبر 2025

تسجيل

رسالة واجبة التعميم

28 يونيو 2017

مصيبة فعلا أن يعتقد حاكم يمتلك قوة مالية ضارية أن التاريخ كلفه مهمة تغيير منطقته أو العالم، وينسى أن دوره الأول هو تنمية بلاده، وأن الأدوار خارجها يجب أن تكون محكومة بالقوانين والأعراف الدولية. ولنا أن نتخيل ــ مثلا ــ كم كانت ليبيا ستصبح مختلفة لو أن سلوك (العقيد) القذافي اتسم بقدر من التواضع والواقعية. لو أنه اختار بناء جامعة محترمة في ليبيا بدلا من الإنفاق على الجيش الأحمر الياباني.الفقرة السابقة اقتباس من مقالة مهمة كتبها الأستاذ غسان شربل رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، ونشرت في عدد يوم ٢٦ يونيو الحالي تحت العنوان التالي: قطرة تواضع من أجل قطر. وكما في الفقرة التي اقتبستها فإن المقالة حفلت بالنصائح التي دعت قطر إلى «مراجعة حساباتها. إلى قطرة تواضع لابد منها للتحلي بالواقعية واستخلاص العبر». وخلص من دعوته إلى القول بأنه «لابد من العودة إلى الدولة الطبيعية والأدوار الطبيعية». المقالة أرادت أن تقول إن قطر تحاول أن تلعب دورا أكبر من حجمها. وهي تثير قضية مهمة في مشهد الأزمة الخليجية بأسلوب شيق، تجاوز لغة الردح والابتذال الذي اتسمت به كتابات كثيرة تطرقت إلى الموضوع. إلا أن عيبا واحدا شابها هو أنها وجهت إلى الدوحة دون غيرها. وهو ما يبعث على الدهشة والحيرة. وأشك كثيرا في أن يكون الكاتب المحترم أراد من قطر أن تتخلى عن الأدوار التي تقوم بها خارج حدودها، لكي يتمكن جيرانها من أن يتمددوا فيها ويوسعوا من نطاق نفوذهم وتأثيرهم في المحيط العربي.وقبل أن أستطرد في مناقشة فكرته أنبه إلى أمرين، أولهما أن مسألة «الدور» لها أكثر من وجه. ذلك أنه قد يكون بالتدخل العسكري أو المالي، وقد يتم من خلال التعبئة الإعلامية والبث الفضائي، كما أنه يمكن أن يتحقق من خلال تقديم النموذج الإيجابي الذي يجذب الآخرين ويغريهم باحتذائه. والصيغة الثالثة والأخيرة هي وحدها المشروعة، خصوصا أنها تعد تأثيرا غير مباشر وليس تدخلا.الأمر الثاني أن «الدور» ليس مرتبطا بالضرورة بالحجم، وإسرائيل نموذج على ذلك، إذ ليس سرا أنها تقوم بأدوار كثيرة في المنطقة وخارجها، رغم أن عدد سكانها في حدود ٨ ملايين نسمة، لذلك أزعم بأن الدور مرتبط بالقدرة وليس بالحجم، وعناصر القدرة متعددة، فمنها ما هو عسكري واقتصادي ومنها ما هو سياسي وثقافي.الثغرة الأساسية في مقالة الأستاذ غسان شربل أنه خص قطر بنقده، في حين أن الطرف الآخر في الأزمة الخليجية أو قيادته على الأقل تمتلك القوة المالية الضارية التي تحدث عنها، وتسعى جاهدة لإحداث التغيير في المنطقة بمشرقها ومغربها وإذا جاز لنا أن نتصارح أكثر فسنجد أن أذرع تلك الدول التي تتحرك وتسعى لتحقيق التغيير الذي تنشده أوفر وأكثر عددا من كل ما تتوسل به قطر. وسبق أن قلت إن كل ما يؤخذ على قطر يمكن أن يتحول إلى لائحة اتهام للذين يقودون حملة مقاطعتها وحصارها. وذلك جانب تجاهله الكاتب الذي يعرف جيدا حقيقة الدور الذي يؤديه المال النفطي في العالم العربي وخارجه. كما أنني لا أشك في أنه يدرك أن المشكلة ليست فقط في طموحات بعض الحكام الذين يملكون القوة المالية «الضارية»، وإنما أيضا في الفراغ العربي المروع الذي سمح لتلك الطموحات بأن تتعاظم وتستشري.لقد ظلم الكاتب موضوعيته مرتين، الأولى حين وجه رسالته إلى الدوحة فقط، في حين أنها واجبة التعميم على بقية العواصم العربية الضالعة في الأزمة. إذ بدا وكأنه حرم على قطر ما استحله الآخرون وأوغلوا فيه. أما المرة الثانية فحين تجاهل الأهداف التي يرنو إليها كل طرف، من وقف إلى جانب الثورة المضادة بكل قوة وشراسة، ومن وقوف مع تطلعات الشعوب العربية في الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي.