29 سبتمبر 2025
تسجيلعند إقتراب كل سنة من نهايتها يطل علينا العرافون والمنجمون برؤوسهم، يتبارون بعرض تكهناتهم وتوقعاتهم التي يضعوها بناء على مواقع النجوم والأبراج كما يزعمون، أو ربما مجرد تخاريف وتوليف كلام يجيدون تنسيقه وعرضه بطريقة مغرية، ليصدقه البعض منا ويؤمن به بحثاً عن أمل هنا أو هناك أو خوف من مجهول يلوح في الأفق. وكم من تكهنات وإدعاءات ثبت فشلها وظهر فسادها، وبالرغم من ذلك يتشبث بعضنا بما يقوله المنجمون وينتظرون على أحر من الجمر الموعد السنوي الذي يطل به هؤلاء ليقوموا بناء على تنجيمهم ورجمهم بالغيب بالتخطيط والترتيب والإلغاء لإمور مصيرية وحاسمة في حياتهم. ويذكر لنا التاريخ وقائع كثيرة إدّعى بها المنجمون أموراً سرعان ما ظهر فسادها وبطلانها. فهذا الخليفة الرابع علي بن إبي طالب (رضى الله عنه) يحذره المنجمون من قتال الخوارج حيث القمر يلاقي العقرب (وذلك نذير شؤم في عرف المنجمين)، وقد رد عليهم متسائلاً: فأين قمرهم؟! وكان ذلك في آخر الشهر. كما حذره المنجم مسافر بن عون من السير لملاقاة الخوارج بسرعة والسير بثلاث ساعات من النهار وإلا يصيبه وصحبه البلاء والضر، وإن سار في الساعة التي حددها المنجم كان الظفر والفوز من نصيبه. فرد عليه علي (رضي الله عنه) قائلاً: ماكان لمحمد (صلى الله عليه وسلم) منجم ولا لنا من بعده، ثم أضاف اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك. ثم سار وصحبه في الوقت الذي إختاره (رضي الله عنه) ولاقى الخوارج وهزمهم شر هزيمة في موقعة النهروان. ومن الحوادث الكبرى في تاريخنا الإسلامي، تلك التي حذر المنجمون فيها الخليفة العباسي المعتصم عندما قرر أن يلبى نداء المرأة المسلمة التي إستعانت به قائلةً (وامعتصماه) وعزم على التوجه بجيشه لفتح عمورية، تلك الحملة التي إنتهت بالنصر لجيش المعتصم بالرغم من تحذيرات المنجمين. وخلّد لنا الشاعر الكبير أبو تمام الحادثة بقصيدته الشهيرة إذ قال: السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب بين الخميسين لافي السبعة الشهب والعلم في شهب الأرماح لامعةً صاغوه من زخرف فيها ومن كذب إين الرواية بل اين النجوم وما ليست بنبعٍ إذا عدّت ولا غرب تخرّصاً وأحاديثاً ملفقةً عنهن في صفر الأصفار أو رجب عجائباً زعموا الأيام مجفلةً اذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب وخوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ ماكان منقلباً أو غير منقلبٍ وصيروا الأبرج العلياء مرتبةً مادار في فلك منها وفي قطب يقضون بالأمر عنها وهي غافلة. المقولة الشهيرة التي نرددها دائماً وأولى بنا أن نؤمن بها ونضعها نصب أعيننا بالرغم من كل إدعاءات المنجمين، كذب المنجمون ولو صدقوا.