19 أكتوبر 2025

تسجيل

تونس لن تغسلك من دم خاشقجي ومأساة اليمن

03 ديسمبر 2018

ربما تجاملك تونس الرسمية وتستقبلك متغاضية كسائر الدول العربية المتعاملة معك عما فعلته في اليمن وفي الصحفي المثقف السعودي وربما تحتاج إلى استثماراتك، ولكن شعبها ليس الحكومة فلم تتعود تونس الشعبية أن تأكل بثدييها واسأل عمومتك كيف طرد الزعيم بورقيبة عمك الأمير تركي بن عبد العزيز حين جاء الى بلادنا واستقر في أحد الفنادق مع قرينته ابنة الفاسي وحاشيته وكانت تربطه بزوجة بورقيبة السيدة وسيلة رحم الله جميعهم علاقات طيبة لكن الأمير أساء معاملة عون شرطة تونسي عادي وصفعه وبلغ الأمر إلى الرئيس بورقيبة فأعلم الأمير أنه غير مرحب به في بلادنا وأنه عليه أن يغادرها في ظرف 24 ساعة وهكذا كان فكرامة المواطن التونسي كانت فوق كل اعتبار ويستوي عند بورقيبة الأمير والغفير. واليوم حين تزور بلادنا فالجميع يدرك أن الزيارة لتونس وغيرها من الدول العربية لها عندك غاية معلومة وهي أن تظهر بمظهر رجل الدولة المحترم الذي يسعى اليه الجميع ويطوي البعض صفحة الجريمة النكراء التي لم نسمع بمثلها في العصر الحديث وما قبل العصر الحديث من حيث الفظاعة والهمجية والتنكيل والتغرير بمواطنك الصحفي الشهير المعتدل المتمسك بحريته فيقتل بتعليمات منك وعلى رأي مدعيكم العام (يجزأ) جثمانه ويسلم إلى من يذوب أطرافه الممزقة في السوائل الكيماوية على أيدي خبراء رسميين يعملون في أجهزة الدولة وزعتم عليهم أدوارهم حتى يرتكبوا أفظع جريمة قتل لرجل بريء في مقر قنصلية تحميها حصانة دبلوماسية! انتفض الصحفيون التوانسة ونظمت نقابتهم بالإجماع مظاهرات، كما انتفضت نقابة المحامين باحتجاجات وتقدمت بشكاية عدلية ضدك ومثلهم فعلت عشرون منظمة من المجتمع المدني لاستقبالك في أرض عبدالرحمن بن خلدون وعرين جامعة الزيتونة وقلعة القيروان بما يلزم من غضب مشروع وفزعة للحق وتذكير بالقيم والمبادئ التي أسست عليها حضارة هذه البلاد التونسية العريقة منذ دستور قرطاج الفينيقية منذ ألفي عام واستقلال قضاء الإمام سحنون بن سعيد التنوخي القيرواني الذي عينه الأمير الأغلبي قاضيا للقضاة فرفض المنصب السامي وحين سأله الأمير عن سبب الرفض قال الإمام سحنون:» لن أقبل القضاء حتى أقاضيك أنت وأقاضي آل بيتك وأخذ حقوق الناس منكم» فرد عليه الأمير الأغلبي: «بل ابدأ بنا أعزك الله وأقض بالعدل بيننا وبين الناس» فقبل الإمام سحنون ولم يغضب الأمير ولم يقتله ولم يقطعه إربا إربا بل أكرمه وانحاز إلى العدل ونام مرتاح الضمير قرير العين ودامت للأغالبة دولتهم في القيروان عاصمة لإفريقية لمدة قرنين! ثم جاء من بعدهم الفاطميون فأسسوا المهدية عاصمة لملكهم ثم هاجر ملكهم المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر فأسس القاهرة وهي تسمى الى اليوم بالقاهرة المعزية نسبة للملك التونسي الصالح وأنشأ في القاهرة جامعة الأزهر الشريف مع قائد جيشه جوهر الصقلي، وصدق عميد الأدب العربي طه حسين حين قال في محاضرته بقاعة البلماريوم في تونس عام 1958 حرفيا «إننا مدينون في مصر لتونس بتشييد القاهرة والأزهر الشريف فهي الأصل» هذه تونس التي تزورها اليوم والتي استقبلتك شعبياً بالتظاهر ضدك وضد من يؤيدك في ظلمك مثل الحكومة المصرية التي هي أيضا لها مجتمعها المدني القوي الذي رفض وطأك لأرض الكنانة وهو يدرك أن إحدى الطائرات المتجهة بالقتلة إلى اسطنبول طلعت من مطار القاهرة وضد ولي عهد الإمارات الذي سخر مطاره لتقلع منه إحدى الطائرات الخاصة ناقلة فريق الموت ومنه انطلق فريق (دحلاني) لطمس معالم الجريمة في نفس يوم 2 أكتوبر يوم الهول! هل تدرك أنك خسرت الشعوب العربية والمسلمة منذ أن استقرت في الضمائر حقيقة لن تمحى مع الزمن وهي أن فريق الموت بالتخصصات المحددة لا يمكن أن يرتكب الجريمة دون إذنك ومعرفتك وتوجيهك! نعم إنك خسرت الرأي العام العالمي كذلك بعد أن تفاءل خيرا بقدومك وقال القائلون لعل المجتمع السعودي المغلق الذي كان يصدر الإرهاب للعالم ينفتح على يديك فإذا بالعالم يفاجأ بالسجون تمتلأ بالأيمة النزهاء والمفكرين الناصحين والعلماء المصلحين النساء منهم والرجال ويهددون بأحكام الإعدام ثم نرى ونكاد لا نصدق ذلك التناقض بين الأقوال والأفعال وانخراط المملكة فيما يسمى صفقة القرن التي غايتها المعلنة تصفية القضية الفلسطينية نهائيا في ممارسة مخالفة للقانون الدولي المعترف بحق الشعب الفلسطيني في دولة حرة و مخالفة لتقاليد أعمامك وأجدادك الذين لم يمنعهم تحالفهم مع بريطانيا ثم مع الأمريكان من أن يتمسكوا بنصرة فلسطين فآثرت أنت أن تتحالف مع الإنجيليين عرابي الصهيونية المتطرفة!