11 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر الثاني من نوفمبر حدثا مؤسسا للمأساة الفلسطينية ونكبة الشعب الفلسطيني الممتدة على مدى قرن كامل، قدمت فيه بريطانيا وعدا للحركة الصهيونية عام 1917 لإقامة دولة لليهود في فلسطين.هذا الوعد الذي أعلنه وزير الخارجية البريطاني ارثر بلفول وعرف ب"وعد بلفور" كان "النص المؤسس" لتخليق كيان غريب مصطنع على أرض لا تملكها بريطانيا، واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وزرع أناس غرباء مكانه، في واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي والاقتلاع البشري في التاريخ الإنساني.لم يأت هذا الوعد من فراغ، فقد كانت الدولة العظمى في القرن الماضي تخطط لرسم خارطة العالم العربي بطريقة يمكنها من التحكم به لأبعد مدى ممكن، وهذا لن يتأتى إلا بتقسيمه وزرع كيان غريب بين أجزائه يضمن تفكيك العالم العربي، وهذا ما حدث فعلا، أن وعد بلفور جاء بعد عام من اتفاقية "سايكس – بيكو" عام 1916 والتي قسمت المنطقة بين بريطانيا وفرنسا، وحولت الأرض التي يسكنها امة عربية واحدة إلى قطاع متجاورات بحدود لا يمكن تخطيها، حولتها فيما بعد إلى كيانات سياسية باسها بينها شديد.إلا أن ضرب وحدة العالم العربي لم يكن هو السبب الوحيد الذي دفع بريطانيا إلى تقديم وعد بلفور الشيطاني واحتلال فلسطين فعلا والبدء العملي بإقامة كيان لليهود في فلسطين، فقد كان هناك دافعا أكثر أهمية وهو الدافع الديني "المسيحياني"، لإقامة "دولة إسرائيل" من أجل تهيئة الظروف لإنزال المسيح من السماء تحقيقا "للنبوءة الألفية"، حيث ستقع بالطبع "معركة هرمجدون" الفاصلة على ارض فلسطين التي يقتل فيها المسيح وجيشه الكفار، وهذا يتطلب بالطبع "تدمير بابل" كشرط أساس للوصول إلى هذا الأمر، وهو ما كان يتبناه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، والرئيس السابق جورج بوش الابن، الذي كان يتحدث حول هذا الموضوع علنا، بل إن الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران لم يصدق أذنيه وهو يسمع بوش الابن يحدثه عن مقاتلة "ياجوج وماجوج" في العراق، وانه لا بد من تدميرهما هناك، وهي عقيدة يتبناها التيار المسيحي المتصهين، الذي يعتبر الداعم الأكبر والأكثر شراسة للكيان الإسرائيلي في أميركا وبريطانيا والغرب.الآن بعد 97 عاما من وعد بلفور المشؤوم لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من التشريد والقتل والإبادة والاعتداءات المستمرة من قبل الكيان الإسرائيلي الصهيوني اليهودي، بل لقد احتفل هذا الكيان الغاصب الغازي بالوعد البريطاني بطريقة تناسب مرور قرن عن إصداره بإغلاقه المسجد الأقصى المبارك ومنع إقامة الصلاة فيه وإطلاق النار على المصلين داخله، وتهويد مدينة القدس وطرد السكان الفلسطينيين المسلمين منها، وتغيير معالمها تمهيدا لهدم المسجد الأقصى المبارك وإقامة "الهيكل اليهودي المزعوم" مكانه، وهو ما وعد وزير الإسكان الإسرائيلي الحالي أن يتحقق قريبا.وعد بلفور تاليف بريطاني واحتلال فلسطين فعل بريطاني وإقامة جيش لليهود في فلسطين وتسليحهم وتدريبهم فعل بريطاني، وإقامة دولة لليهود في فلسطين صناعة بريطانية بالكامل بدعم من القوى الاستعمارية "فرنسا وأمريكا" التي لم تتوقف عن تقديم كل الدعم البشري والمالي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي لهذا الكيان الغاصب الذي أسسه وعد بلفور المشؤوم.لكن الذكرى السابعة والتسعين للوعد البريطاني تحل هذا العام مع تغيرات وتبدلات كبيرة في المنطقة العربية، فحدود سايكس بيكو بين العراق وسوريا انهارت، وصار تنظيم الدولة الإسلامية يحكم الأرض فيهما معا على جانبي الحدود، والكيان الإسرائيلي فشل في حربه ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وانكفأ إلى الخلف، وحلفاؤه يعيشون في حالة من "عدم اليقين" مع انهيار ترتيبات سايكس بيكو الفرنسية البريطانية، مما يعني أن المشروع الصهيوني ودولته "إسرائيل" يشهد حالة من الانحسار على طريق التلاشي النهائي.