12 أكتوبر 2025
تسجيلتخوض الإدارة الامريكية مفاوضات مع حركة طالبان منذ عام تقريبًا، في الدوحة، انتهت مطلع أيلول- سبتمبر 2019 بمسودة اتفاق أولى بقيت سرية، إلى درجة أنها عُرضت على الرئيس الأفغاني من دون أن يُمنح نسخة منها. مع ذلك، كشف المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان وكبير المفاوضين الأمريكيين، زلماي خليل زاد، بعض خطوطها العامة. وقد اتفق الطرفان على تقليص الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان مقابل أن تقدّم طالبان ضمانات بألّا توفر مأوى للقاعدة وتنظيم الدولة "داعش" هناك، وألّا تسمح بأي هجمات تستهدف الولايات المتحدة من مناطقها. وجدير بالذكر أن طالبان تسيطر على نحو نصف مساحة أفغانستان اليوم. وبحسب خليل زاد، فإنه بمجرد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، ستبدأ الولايات المتحدة بسحب 5000 جندي خلال 135 يومًا؛ وهو ما يعني بقاء 8600 جندي يقومون بتدريب ودعم القوات الأفغانية. كما تنص مسودة الاتفاق على قبول طالبان بالدخول في محادثات أفغانية - أفغانية لتقرير المستقبل السياسي للبلاد. ولا تتحدث المسودة عن وقف إطلاق نار شامل، بل عن الحد من العنف في الفترة الأولى، إلى حين تحقيق الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية والوصول إلى صيغة سياسية شاملة لأفغانستان طرأت فكرة توقيع اتفاق سلام مع قادة طالبان خلال اجتماع عقده الرئيس ترامب مع كبار مستشاريه للأمن القومي أواخر آب/ أغسطس 2019، لمناقشة مسار المفاوضات الأمريكية - الأفغانية عرضها خليل زاد. وقد تمَّ خلال الاجتماع إجازة الاتفاق الأولي، وعليه فقد تمَّ توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى بين الولايات المتحدة وطالبان بعد أيام قليلة من ذلك الاجتماع. بعد إقراره، طرحت فكرة التصديق على الاتفاق النهائي في واشنطن، حيث يتم استضافة وفد طالبان والرئيس الأفغاني في كامب ديفيد. ورغم بعض الاعتراضات، فإن الفكرة أُقرت، على أن يتم تنفيذها في 8 أيلول/ سبتمبر 2019. وقد تم إبلاغ الرئيس الأفغاني بالأمر ووافق عليه، رغم تحفظاته الكثيرة على المحادثات. ويعود طرح الرئيس ترامب لفكرة المحادثات السرية في كامب ديفيد إلى مجموعة أسباب أهمها: الوفاء بوعد انتخابي لم يُخفِ ترامب منذ أن كان مرشحًا في عام 2016 رغبته في سحب القوات الأمريكية مما سماها "الحرب بلا نهاية" في أفغانستان. ويُعدّ التورط العسكري الأمريكي في أفغانستان أطول الحروب الأمريكية الخارجية على الإطلاق، إذ إنها قاربت على إتمام 18 عامًا. غير أنه مع وصول ترامب إلى الرئاسة في كانون الثاني/ يناير 2017 وجد نفسه تحت ضغوط كبيرة من وزارة الدفاع ومستشاريه للأمن القومي لإرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان إذا أراد الانتصار في الحرب قبل أن يفي بوعده بالانسحاب منها. ويوجد حاليًا قرابة 14000 جندي أمريكي في أفغانستان، أي 5000 جندي أكثر مما كان عليه الحال عندما تولّى الرئاسة. ورغم مضي ثلاث سنوات على رئاسته تقريبًا، فإن النصر لا زال بعيدًا في أفغانستان. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية أواخر عام 2020، فإن ترامب يجد نفسه مضطرًا إلى أن يفي بوعده بالانسحاب. رغم توقف المفاوضات مع طالبان بسبب مقتل جندي أمريكي عشية اجتماع كامب ديفيد الذي كان مقررًا أن يعلن فيه التوصل إلى اتفاق سلام في أفغانستان، فإن كل المعطيات تشير إلى أن مقتل الجندي الأمريكي لا علاقة له بقرار وقف المفاوضات. ففي اليوم نفسه كان خليل زاد والجنرال أوستن ميلر، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، في طريقهما إلى الدوحة لوضع اللمسات الأخيرة على الملاحق الفنية للنص الرئيس للاتفاق، ولم يكن هناك أي توجّه لإلغاء المحادثات السرية في كامب ديفيد. كما أن الرئيس الأفغاني لم يعلن إلغاء سفره إلى واشنطن إلا في اليوم التالي للهجوم. وتجدر الإشارة الى أنه قُتل في أفغانستان 15 جنديًا أمريكيًا في هجمات لطالبان خلال عام 2019، منهم 9 منذ حزيران/ يونيو 2019 فقط، من دون أن يؤدي ذلك إلى وقف جولات التفاوض بين الطرفين. والواقع أن هناك مجموعة أسباب أملت على الرئيس الأمريكي قراره وقف التفاوض مع طالبان أهمها: ◄ 1. شروط طالبان أصر وفد طالبان أن سفره إلى واشنطن مرهون بالإعلان عن الاتفاق أولًا، وهو ما لم يرغب فيه الرئيس ترامب. كما أصرّ وفد طالبان على عدم التفاوض المباشر مع الحكومة الأفغانية، على أساس أنها دُمية أمريكية لا تعترف طالبان بشرعيتها، ورهنت أي تفاوض معها بالاتفاق أولًا على كل التفاصيل مع الولايات المتحدة. كما اشترطت طالبان إطلاق سراح جميع سجنائها في السجون الأفغانية، وهو ما رهنته الحكومة الأفغانية بإعلان طالبان قبولها بوقف إطلاق النار، وهو أمر ترفضه طالبان التي تريد استمرار التفاوض تحت النار. ◄ 2. اختلاف الآراء في الإدارة الأمريكية رغم تأييد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو وخليل زاد، لفكرة المحادثات السرية في كامب ديفيد، على أساس أنها ستمكّن ترامب من بدء تنفيذ وعده بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وتحقيق الإنجاز الذي يبحث عنه في السياسة الخارجية، فإن نائب الرئيس مايك بينس وبولتون عارضا ذلك. وجادل بينس وآخرون أن دعوة طالبان إلى واشنطن متزامنة مع ذكرى هجمات 11 سبتمبر، تبعث برسالة خاطئة إلى القوات المسلحة الأمريكية التي تقاتل الحركة منذ 18 عامًا وخسرت أكثر من 2400 جندي أثناء ذلك. كما حذّر بولتون من أنه لا يمكن الوثوق بطالبان، وأن الرئيس يمكن له أن يسحب 5000 جندي أمريكي من دون اتفاق معها. بل إن بعض مستشاري الرئيس حذّروا من ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبه باراك أوباما، وذلك عندما سحب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011، ما أدى إلى صعود تنظيم "داعش". ** ترك بومبيو الباب مفتوحًا لاحتمال استئناف المفاوضات مع طالبان. ويرجّح ذلك بقاء خليل زاد في منصبه، وبقاء جدول اجتماعاته مع وفد طالبان في الدوحة من دون تغيير. وقد تكون إقالة بولتون عاملًا مساعدًا في استئناف المفاوضات في المستقبل أيضًا، وخصوصًا أنه كان من أشد معارضيها. كما أن موقف طالبان الذي حثّ ترامب على العودة إلى طاولة المفاوضات، قد يُغري الأخير بالتراجع، وخصوصًا أنه لا يملك بدائل حقيقية من التفاوض مع الحركة في ظل إصراره على تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية قبل الانتخابات القادمة.