13 سبتمبر 2025
تسجيلفي صباح كل يوم ومنذ سنوات طويلة، والبشر يشغلهم سؤال صعب كبير ومعقد، كيف يمكننا أن نعيش حياتنا بصحة جيدة مع بقائنا (سعداء)؟ صحيح أن العالم في تقدم دائم في الأفكار والإنجازات والعلاقات والتعاملات، ولكن دائما أصادف أناساً قد فقدوا المتعة في الحياة والاهتمام بها، وكأن الحياة خلت من الألوان تماماً، فيطغى اللونان الأبيض والأسود على حياتهم، بحيث يصبح لا وجود لألوان الطيف بينهم على الإطلاق. السؤال الأهم هنا هو كيف يجب علينا أن نفهم السعادة، وما هي الأشياء التي يمكنها أن تشعرنا بها؟ هل من المعقول أن تكون السعادة شيئا مجردا، وأنها فقط مكافأة قصيرة من هرمون الدوبامين يفرزه دماغنا للأحداث والسلوكيات الراغبين بحدوثها؟ جرت دراسة علمية مؤخرا، وهي بالمناسبة أطول دراسة على الإطلاق، وقد سميت "بدراسة القرن"، والتي امتدت إلى 75 سنة، جيلا بعد جيل، أجرتها ولاتزال تشرف عليها إلى الآن جامعة "هارفرد" الأمريكية العريقة في كلية علم النفس بقيادة عالم النفس الشهير د. روبرت والدنجر على شريحة بعدد 724 رجلا. وقد تمت دراستهم منذ أن كانوا في سن الطفولة وحتى الشيخوخة. هدف هذه الدراسة الجوهري هو "معرفة ما الذي يبقي الناس سعداء وفي صحة جيدة". أجرى الباحثون عبر هذه الفترة محادثات كثيرة جدا مع شريحة الدراسة عن همومهم وشخصياتهم ومشاكلهم ومعاناتهم. لم يكتفوا أبدا بهذه المقابلات، بل كانوا يحصلون أيضا على سجلاتهم الطبية من أطبائهم، بالإضافة إلى فحص أدمغتهم ودمائهم والتحدث إلى أطفالهم. في هذه الدراسة الخارقة للعادة، سئل الباحثون عن أكثر أهداف حياة الشباب أهمية، 80% قالوا إن هدفهم الأساسي في الحياة أن يصبحوا أثرياء، و50% من نفس فئة الشباب قالوا أن هدفهم الرئيسى هو أن يصبحوا مشهورين. ولكن مع التقدم بالعمر تلاشت هذه الأهداف واحدا تلو الآخر وتبخرت. ربما من هنا جاءت مقولة "لا أحد يموت نادمًا على عدم قضاء المزيد من الوقت في العمل"! تريد الدراسة إرسال رسائل هامة ومختصرة للبشر: - أن العلاقات الاجتماعية العميقة والحقيقية تجعلنا أكثر سعادة وإشراقاً وأكثر صحة وأن من لديه ارتباطات صادقة وحقيقية مع الأسرة والأصدقاء يعيشون حياة أطول من الذين لديهم ارتباطات أقل عمقاً. - أن العيش في أوساط مليئة بصراعات بشكل دائم ومستمر هو أمر غير صحي وغير مقبول. فالبيئة الأسرية كثيرة الصراعات قليلة المودة هي غير صحية، ربما أسوأ من الطلاق نفسه، بعكس العيش في وسط محيط مفعم بالعلاقات الدافئة والودية، فهو بالتأكيد جيد ووقائي. نحن ندرك تمام الإدراك أن بين شخص وآخر قد تختلف مصادر السعادة ومعانيها بأدق تفاصيلها، فالتخرج هو سعادة كبيرة، وإيجاد وظيفة أو تناول وجبة لذيذة وإشباع الغرائز البشريّة أيضا سعادة، وقضاء وقت ممتع في أجمل بقاع العالم والزيادة في الدخل وشراء منزل أو سيارة جديدة وغير ذلك، كلّ هذه الأمور تُعتبر من أسباب السعادة بلا شك، ولكن الفارق في أن كل ما تم ذكره هو سعادة مرحلية مؤقتة ويمكن الاستغناء عنها والحصول على الأفضل منها. قد يسأل سائل: علاقاتي الاجتماعية، وخاصة بالأشخاص المقربين مني ليست عميقة وليست جيدة، فما الحل؟ هل مازال هناك فرصة؟ هل فاتني القطار؟ نقول له الوقت لم ينفد بعد! سارع فإنه "كلما انقضى يوم انقضى بضع منك". ابدأ من الأقرب والأغلى على قلبك من الأشخاص الذين تسعدك سعادتهم وامنح نفسك الفرصة وابذل مجهوداً (قد يكون مضاعفاً). كن مرناً. امتلك الجرأة وأعلن: هذا هو وقت التغيير ووقت المزيد من الحب. يقول مارك توين: "مختصرة هي الحياة، ليس هناك وقت للخصومات والاعتذارات والانتقامات. هناك متسع من الوقت للمحبة فقط، للحظة فقط".