10 سبتمبر 2025

تسجيل

الكاذبون والكذابون!

15 مايو 2019

أتعلمونَ، رئيس أقوى دولةٍ في العالم دونالد ترامب صرح بكلامٍ كاذبٍ أو على الأقل نصفُ صحيحٍ خمسةَ آلافِ مرة في أول 600 يوم من توليه للسلطة؟ وقد وصلَ هذا الرقم إلى عشرةِ آلاف بعد 226 يوماً له في البيتِ الأبيض. ولكن الغريب بالموضوع أن واحداً من بين كل 6 أشخاص أمريكيين يُصدِقون تصريحاتهِ ويقبلون أكاذيبهُ على أنها حقيقةٌ لا نقاش فيها! لماذا نكذِب نحنُ البشر، وما الذي يدفعُنا لذلك؟ وهل الأطفال يتعلمون الكذب من الكبار أم انهم يتعلمونه بمفردهم؟ وكيف يمكن تعديل هذا السلوك؟ قد تكون هذه الاسئلة لدى البعض سطحيةً جداً بل وحتى تافهةً، ولكن هي عند العلماءِ محلُ دراسةٍ منذ عشراتِ السنين. الكثيرُ من الدراساتِ تبينُ أنَ معظمَ البالغينَ قد كذبوا كِذبةً واحدةً على الاقل (في المتوسط) خلال ال24 ساعة الماضية، منها ما قامت به مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك في عام 2017 وعللت الكذب كإستراتيجية خروج بأحد عشر سبباً، أولها للتغطية على خطأ ما وثانياً لتحقيق منفعة شخصية أو مادية وثالثا قد يكون تجنباً لشخص أو شيء ما. في دراسةٍ قام بها بروفسور علم النفس كانغ لي من جامعة تورينتو، تهدفُ لاكتشافِ الآلية التي يتعلمُ بها الأطفال قول الأكاذيب. كان العلماء يقومونَ بإحضارِ دميةٍ أو لعبةٍ ما وتغطيتها وتشغيلِ صوتْ، مهمةُ الطفلِ هنا هي معرفةُ ما الذي يوجدُ تحتَ الغطاءِ بناءً على سماعهم لذلك الصوت. وأخبروهم إذا عرفوا اللعبةَ، سيحصلون على جائزة. في البدايةِ قام العلماءُ بتشغيلِ صوتٍ له علاقة باللعبة، فمثلا: إذا كانت اللعبة سيارة شرطة فالصوتُ هو صافرةُ سيارةِ الشرطة وإن كانت اللعبة قطارا يكون الصوت صافرة قطار وهكذا. ولكن بعد ذلك قاموا بتشغيل أصواتٍ لا علاقةَ لها باللعبة على الإطلاق، فمثلا اللعبةُ هي قطار ولكن الصوت سيمفونية لموزارت أو اوركسترا !! وفي منتصفِ اللعبة، كانوا يخترعون عذراً ويتركون الغرفة. وقبل مغادرتهم الغرفة، طلبوا منهم ألا يختلسوا النظر الى الألعاب. السؤال الأهم هنا هو: عندما عادوا وسألوا الأطفال فيما إذا كانوا اختلسوا النظر إلى الألعاب، هل سيعترف الأطفال الذين اختلسوا النظر أم سيكذبون؟ طبعاً هنا (عدا أن الغرفة مراقبة بالكاميرات) ولكن الطفل في هذه اللحظة لا أحد يراهُ والموقف مغر جداً. وجد الباحثون، وبغضِ النظرِ عن الجنس والبلد والدين، أنه في عمر السنتين، كذب 30% من الأطفال، وقال الحقيقة 70%. وفي عمر ثلاث سنوات، كذب 50% وقال الحقيقة 50%. وفي عمر أربع سنوات، كذب أكثر من 80%. وبعد عمر أربع سنوات، معظم الأطفال كذبوا. واضح تماما أن عملية الكذب تطورية. يقول البروفسور لي: إن الكذبَ المتقن يجب أن يحتوي على عنصرينِ أساسينِ. العنصرُ الأول هو التفكير واستخدام العقل، أو المقدرة على قراءة ما في أذهان الآخرين. والقدرة على التمييز بين ما أعرفه أنا وما تعرفونه أنتم. أما العنصر الثاني فيكمن في القدرة على التحكم في النفس وفي تعبيرات الوجه ولغة الجسد. ويختتم الدراسة: إذا اكتشفتم أن طفلكم البالغُ من العمر سنتين يكذبُ لأولِ مرةٍ، فبدلاً من الشعور بالفزع، عليكم الاحتفال!! وذلك بسبب أن الطريقة التي يفكر بها طفلكم هي اكثر تعقيدا ومتقدمة بأشواط عن باقي الأطفال. ولكن ذلك لا يعني أبداً أن نسكت أو نتجاهله لأنه حتماً سيتحول بمرور الوقت إلى عادة. والحل بسيط ولكن ليس سهلاً، وهو أن تقلل قدر المستطاع من العقاب وأن يكون معقولاً، لأن العقاب في أفضل أحواله لن يخلق ذلك السلوك الإيجابي الذي تتمناه. وإذا أصر طفلك على الكذب بشكل متعمد، فكل ما عليك فعله هو تعزيز فكرة أن الكذب عملٌ سيئ، واشرح له ذلك بهدوء و بأسلوب مبسط ومباشر. كما نرى، فالكذب ينشأ معنا منذ الصغر كآلية لتحصيل مكسبٍ أو منفعةٍ أو للتخلصِ من موقفٍ صعبٍ كتهرب الطفل من غضب والديه أو عقابهما له خاصة إذا كان العقاب قاسياً ولا يتناسب مع الموقف. تعددت الأسباب والكذب واحد. بطولتنا يا صديقي في هذه الحياة ومصدرُ أجرِنا وثوابنا أن نتحرى الصدقَ ونصحبَ الصادقينَ كما قال الله عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" وأن نتقبل العذر من الكبيرِ والصغيرِ "حتى ونحن نعلم أنه كذب" كي نرأب الصدع ونحل الخلاف وأن نتذكر دائما أننا لسنا أحسن حالاً منهم، فلا نطالبهم بمثالية الصدق على الدوام ونحن كاذبون. وأخيراً أن نُشجع مَن حولنا على أن يكونوا صادقينَ معنا، بالحفاظِ على هدوء أعصابنا في المواقفِ الحرجة، وتشجيع السلوكِ الايجابي للصدقِ بالثناءِ على الصادقِ وشجاعتهِ باختيار الصدق طريقاً له، ونلتمس الأعذار لأحبابنا وأعزائنا ونلقاهم دائماً بسعة صدرٍ وطيب خلقٍ.