14 سبتمبر 2025

تسجيل

البدائل العربية في مواجهة ضغوط واشنطن

03 أكتوبر 2011

بالطبع لن تتوقف التهديدات الأمريكية عند حد إصدار الكونغرس لقرار بوقف المساعدات الغذائية المخصصة للفلسطينيين إذا لم يتوقفوا عن حركتهم النشطة باتجاه الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين – التي ما زالت في سياق الحلم – في الأمم المتحدة، وأحسب أن هذا القرار هو الخطوة الأولى وثمة خطوات أخرى منتظرة من قبيل إغلاق مقر البعثة الفلسطينية بواشنطن وإنزال العلم الفلسطيني الذي تم رفعه عليه في شهر يناير الماضي وقد يصل الأمر تحت ضغوط اللوبي الصهيوني وبنيامين نيتانياهو رئيس وزراء الكيان المتشدد إلى مستويات أخرى أكثر خطورة على مسار القضية الفلسطينية من بينها بالطبع استخدام حق الفيتو على الطلب الفلسطيني خاصة بعد أن قذف العرب بكل أوراقهم منذ عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات في سلة واشنطن إثر مقولته الشهيرة التي أعلنها بعد انتهاء حرب أكتوبر من العام 1973 أن 99 في المائة من أوراق اللعبة باتت بأيدي الولايات المتحدة وتلك في يقيني كانت بداية التفكير في المآلات التي أدت بنا إلى تبني دبلوماسية التسول لدى واشنطن وفق التعبير الشهير لمعالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري قبل سنوات. لقد أضحت واشنطن كعبة العرب السياسية- إن جاز لي استخدام هذا التعبير -وظل السادات يراهن على دورها في بلورة تسوية عادلة لكن رهانه ذهب مع الريح فلم تبد الإدارة الأمريكية تحت أي عهد ديمقراطيا كان أم جمهوريا أي تجاوب حقيقي مع أشواق الفلسطينيين ومعهم أمة العرب في حل عادل يأخذ في اعتباره الحقوق المشروعة لهم في إقامة الدولة المستقلة بل كان ثمة على الدوام انحياز شديد الوضوح لتوجهات قادة الكيان وكلها تصب في منحى يرمى إلى سحق الشعب الفلسطيني والحيلولة دون وصوله إلى حلم الدولة المستقلة بما يعني عمليا إتاحة المساحات السياسية والجغرافية واللحظة التاريخية لصالح المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني. لقد صبر الفلسطينيون ومعم أمة العرب على كل ما طرحته واشنطن التي تهيمن على القرار الدولي فيما يتعلق بقضيتهم وما برحوا يصدقون هذه الطروحات والتي قادت إلى مفاوضات مباشرة مع الكيان رغبة في التوصل إلى اتفاق سلام وابتهجت النخب السياسية - إلا من رحم ربي - بما يسمى خيار الدولتين والذي تبناه الرئيس السابق سيئ الذكر جورج بوش لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة جنبا إلى جنب مع دولة الكيان وأخذت هذه النخب خاصة التي باتت مصالحها أكثر ارتباطا بواشنطن وفي كثير من الأحيان بالكيان تروج لهذا الخيار بحسبانه يقدم التصور العملي لحل تاريخي ينهي الصراع في الشرق الأوسط ودخل الفلسطينيون بعد ذلك في متاهة التفاوض المباشر وظلت القدس المحتلة تستقبل أبومازن خاصة في عهد غير المأسوف عليهما أريل شارون وإيهود أولمرت في جولات غلب عليها طابع العلاقات العامة دون أن تفضي إلى خطوات عملية ثم دخل الفلسطينيون في متاهة أخرى أطلق عليها المفاوضات غير المباشرة في زمن القادم الجديد للبيت الأبيض باراك أوباما الذي جاء إلى القاهرة بعد بضعة أشهر من توليه منصبه الجديد طارحا جملة من الأفكار والتوجهات التي صدقناها من فرط حماسه لها ولكن سرعان ما ثبت أنه مجرد حاو ولم تخرج طروحاته عن حملة علاقات عامة لتسويقه في المنطقة وفي العالم . إذن سدت كل خيارات التفاوض أمام الفلسطينيين خاصة مع تمسك حكومة بنيامين نيتانياهو بمشروعها الاستيطاني رغم أكاذيبها التي صدقها العالم بشأن وقفها المؤقت لبناء وحدات استيطانية جديدة في الأراضي المحتلة وسرعان ما أدركنا أن هذه الحكومة لم توقف للحظة أي بناء بل أتاحت أمام الشركات والأفراد كل قدرة لمواصلة إقامة الوحدات والتي ما زالت سادرة في غيها ولا تتلقى سوى عبارات رافضة لها من قبل واشنطن وما يسمى باللجنة الرباعية الدولية التي لا ترى في المستوطنات سوى عقبة في طريق السلام بينما هي في حقيقة الأمر تدمر كل سبيل إلى السلام. ومن ثم لم يكن أمام الفلسطينيين خيار سوى التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على العضوية الكاملة لدولتهم الحلم في المنظمة الدولية ورغم رمزية الخطوة والتي لن تشكل قفزة نوعية في التعامل مع القضية الفلسطينية كما يجمع الكثير من الخبراء إلا أنها أقلقت قادة الكيان وأزعجت واشنطن فبدأ التحرك المضاد لإجهاض الخطوة والتهديد من قبل الإدارة الأمريكية باستخدام الفيتو عند عرض المسألة للتصويت في مجلس الأمن وهو الأمر الذي ما زالت تحول دونه صعوبات بل ثمة أنباء من نيويورك تشير إلى إمكانية أن تؤجل المنظمة الدولية عرض الطلب الفلسطيني لإتاحة الفرصة أمام خيار العودة للتفاوض المباشر وهو اقتراح قدمته اللجنة الرباعية الدولية والتي ليس بمقدورها أن تخرج عن السمع والطاعة لواشنطن. والسؤال المشروع الذي يتعين طرحه في تلك اللحظة التاريخية على النخب السياسية العربية: هل ستتركون الفلسطينيين بمفردهم في مواجهة ضغوط واشنطن وتعنت قادة الكيان الصهيوني وهل أصبحت الجعبة العربية خالية من أي إمكانية لإعلاء قيمة الطلب الفلسطيني وإشعار القيادة الفلسطينية التي بذلت جهدا مقدرا بأنها ليست وحيدة في مواجهة الغول الأمريكي والذئب الصهيوني؟ بالتأكيد ثمة خيارات عديدة يمكن اللجوء إليها في مقدمتها بصريح العبارة التهديد بوقف ضخ البترول العربي إلى الولايات المتحدة إذا استمرت في تهديداتها بوقف المساعدات للسلطة الوطنية أو استخدمت الفيتو لإجهاض الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة فلا يجوز أخلاقيا بل وسياسيا أن نقدم لها كل هذه الكميات من النفط وهي لا تقدم لنا سوى الفتات والكلمات وحملات العلاقات العامة والإهانات وبوسع العرب تجريد قرار الكونغرس بوقف المساعدات عن الفلسطينيين من أي فعالية لو قرروا بدورهم صادقين عازمين النية على التطبيق وليس مجرد تسجيل موقف مثلما يحدث في واقع الحال وتقديم كل عون ومساعدة للشعب الفلسطيني من خلال تزويده بالأموال وهي متوافرة بحمد الله لدى دول عربية كثيرة وبعضها لديه فائض منها والتي تساهم في مشروعات استثمارية وتنموية وثمة تجربة قطرية متميزة في هذا الشأن بوسع باقي العرب الاقتداء بها. إن النظام الإقليمي العربي ليس مجردا من عوامل القوة وثمة قيمة مضافة إلى هذه القوة تتمثل في الثورات التي شهدتها كل من تونس ومصر وليبيا وتتفاعل في سوريا واليمن وهو ما يمكن أن يشكل عنصر ضغط على الحكومات والنخب السياسية التي ما زال بعضها للأسف يؤمن بنظرية الانبطاح أمام واشنطن. على أي حال إذا تمكن الكيان مدعوما بضغوط واشنطن من إجهاض التحرك الفلسطيني والعربي بل والإسلامي في الأمم المتحدة فإن القضية الفلسطينية ستدخل نفقا أشد قتامة من كل المراحل السابقة وهو ما يستوجب الإسراع بعقد مؤتمر لوزراء الخارجية العرب يخصص لبحث البدائل العربية لتقديم الإسناد إلى القيادة الفلسطينية التي ما زالت صامدة في مواجهة كل هذه الضغوط ولكن لا أحد يضمن أن تستمر في صمودها وهي لا تحصل من الأشقاء سوى على العبارات البليغة والخطب الحماسية بينما الفعل يقوده الكيان وتدعمه إدارة أمريكية تسعى إلى الحصول على فترة رئاسية ثانية ولو على جماجم الفلسطينيين والعرب. السطر الأخير: أرحل فيك أنشق عطرك السرمدي أبثك أشواقي مكابدا أمواجها أطارحك قصائدي العطشى إلى ينابيعك المرتوية بالصبابة أعزفك نغما صباحيا فتنزعين من حضوري معنى الرتابة أندس بين ضفافك تحتويني أذرعك الربابة يسافر جوع يسكنني وتخذلني الكآبة [email protected]