20 ديسمبر 2025
تسجيلألف شكر لابني الفاضل والزميل العزيز صادق محمد العماري رئيس تحرير (الشرق) لأنك ذكرتني في عدد يوم الأربعاء الماضي بأن (الشرق) تحتفل بذكرى تأسيسها الرابعة والثلاثين.. الشكر لك ولزملائك جميعا لأنك أحييت في مهجتي وذاكرتي لوحات ومشاهد قديمة، ولكنها ظلت حية وهي بعيدة، لكنها بقيت أقرب لي من أي ذكرى. ربما أنت وجيلك لم تعرفوا البدايات وأنا عشتها بكل جوارحي لأني عرفت (الشرق) ومع رئيس تحريرها الزميل الفاضل بومحمد ناصر العثمان -حفظه الله ورعاه- حين كنت مضطهدا في المنافي تلاحقني منظمة (أنتربول) في المطارات أنا ورفيق العمر رئيس حكومة تونس الأسبق -رحمة الله عليه- أستاذي وأخي محمد مزالي. فكيف وفي أية ظروف عرفت (الشرق)؟ أبدأ من البداية إنارة للجيل الجديد الذي يكتب اليوم وأعتز بكتاباته، ففي أول زيارة لي للدوحة في نوفمبر 1977 جئتها من تونس، وكنت أعمل في الدار التونسية للنشر والتوزيع؛ نطبع الكتب الأدبية وقصص الأطفال والكتب المدرسية. وكانت وزارة التعليم بوزيرها سعادة الشيخ محمد بن حمد آل ثاني تنظم معرضاً سنوياً للكتاب العربي في قاعة بمنطقة اللقطة (لم يعد لها أثر اليوم)، ونفتح للطالبات صباحا وللطلاب عصرا، وكنت أنا صاحب الجناح التونسي، وكانت الوزارة تقتني ما يبقى لنا من كتب برعاية مدير مكتب الوزير آنذاك سعادة الصديق المثقف عبدالعزيز عبدالله السبيعي. وتشرفت عام 1977، والسنوات التي تليها بالتعرف إلى الزميل الصحفي ناصر العثمان، فارتبطت بيننا صداقة فكرية بالمراسلات. كما تعرفت على فضيلة الشيخ عبدالله الأنصاري -رحمه الله- في بيته العامر بشارع النصر، وعلى فضيلة الشيخ عبدالقادر العماري -رحمه الله- في بيته الجديد (آنذاك) مقابل الجوازات عند سوق العلي، وكان ذلك الحي جديدا لم يتأهل بالمساكن بعد، ثم أتذكر أن الوزير الفاضل للنفط عبدالله العطية (وبعد ذلك رئيس المنظمة الدولية المصدرة للنفط أوبك)، كان ولا يزال من أبرز المثقفين القطريين يتمتع بدائرة معارف تتجاوز تخصصه ويحب مجالسة المثقفين وإثارة القضايا الفكرية الساخنة، وكان بصدد بناء بيته العامر (اليوم نقول في طريق أسباير وفيلاجيو)، ويحدثنا الوزير بأن أهله يلومونه على بناء البيت في (البر) خارج الدوحة!! واليوم طبعاً أصبح ذلك (الفريج) في قلب الدوحة، وكثر ضجيجه.. ونعود للشرق.. بعد أن تطورت الظروف، وتحملت أنا مسؤوليات في الدولة التونسية مع صديقي محمد مزالي من 1980 إلى 1986 ثم تحملنا مشقة العمل مع الزعيم بورقيبة، وهو يتهاوى في أرذل العمر وأخطر الأمراض، حيث تحول إلى عاجز مع الأسف تتلاعب به أيدي الطامحين للحكم في وضعية لا تليق بقامة الزعيم ولا بكفاحه الطويل، ولا بجهوده لبناء الدولة الحديثة، فعزله أصحاب الشر والعمالة عن أقرب الناس له؛ مثل ابنه وزوجته وابنته وسكرتيره ورئيس حكومته، حين كادوا لنا ونفونا وغرقت تونس بعدنا مع غرق زعيمها واستبد بالسلطة زين العابدين بن علي -رحمه الله وغفر له- واضطهدنا ولاحقنا، ونحن في المنافي تحولنا إلى معارضيه.. وبيعت بيوتنا وشرد عيالنا وفي هذه المرحلة الصعبة عام 1987، راسلت من منفاي الفرنسي صديقي ناصر محمد العثمان، وقد شرع في تركيز جريدة (الشرق)، ثم حاول وأعاد المحاولة، ولي منه رسائل بالبريد في ذلك العهد تنطق إلى اليوم بدماثة خلقة وأصالة معدنه شد فيها أزري وحدثني عما يعانيه هو من صعوبات. وأتذكر أنه كان يقول لي (إن لي ثقة كبيرة في سمو ولي العهد لأنه رجل يحب الثقافة والصحافة الحرة "يقصد صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة حفظه الله")، إلى أن جاء عام 1990 وكانت الكويت تحت غزو صدامي غاشم، (لا أقول عراقي حاشا الشعب العراقي الأصيل)، لم يكن يتوقعه أحد، وبمكرمة من سمو ولي العهد آنذاك الشيخ حمد انتُدبت أستاذاً للإعلام في جامعة قطر، ونشطت في منظمات المجتمع المدني، وشرعت أكتب في (الشرق) وأرسل المقالات ككل كتابها عبر الفاكس، لأن الايميل لم يبدأ، إلا مع رئاسة تحريرها أخي د.أحمد عبد الملك، وقبله عايشت مرحلة رئاسة تحرير الصديق الفاضل عبدالعزيز آل محمود، واشتركنا في حملة عالمية لنصرة المفكر المسلم الفرنسي رجاء جارودي عام 1998، حين لاحقته إسرائيل في المحاكم بتهمة (التشكيك في المحرقة اليهودية)، وكانت معنا أنشط حرائر قطر الزميلة الكريمة د.عائشة المناعي وهي التي ناصرت معنا حملة مؤازرة مسلمي كوسوفو ضد الإبادة الصربية بالسند الإعلامي والمالي.. و(الشرق) تؤدي معنا رسالة نصرة المسلمين كما كانت معنا في حملة دولية لإدانة قتل المصلين في المسجد الأقصى برصاص مهووس إرهابي صهيوني وحملة لإطلاق سراح مروان البرغوثي. ثم إن (الشرق) وقفت معي شخصياً من أجل استرجاع جواز سفري وعودتي إلى وطني تونس عام 1999. وكان ذلك نصرا للجريدة أشاد به آنذاك مدير تحريرها. وما تزال (الشرق) رائدة وسباقة ومتحملة لأمانة الإعلام الوطني النزيه بكوادرها الكفؤة يرعاها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى. [email protected]