12 سبتمبر 2025
تسجيلنشأ أبناء وبنات جيلي على أن الزواج علاقة ينبغي أن تستمر، مهما كان عدد المطبات التي تواجه طرفي العلاقة الزوجية، وكان ذلك لأن الناس كانوا يعرفون معنى «الستر»، فكان الزوج إذا رأى خطأ من زوجته ورفضت هي الاعتراف بالخطأ شكاها إلى أهلها، والعكس، بأن تشكو الزوجة بعلها لأهله، لإدراك الطرفين أن المسائل ستسوى بطريقة عائلية ودية، ولم يكن الطلاق منتشراً على النحو الوبائي الذي نعرفه على أيامنا هذه، لأن الناس كانوا يخافون من العيب، ولا يتشاجر الزوجان أو يختلفان إلا في أمور ذات بال، ويتم حسمها بوساطة الأقارب وحكماء العائلتين. ولم تكن العصمة في مجتمعاتنا المحافظة بيد الرجل أو المرأة، بل بأيدي كبار العائلة الذين كانوا يقومون بدور لجنة التحكيم المحايدة، ولا يكون الطلاق في مداولاتهم خيارا ما لم يكن أحد الزوجين قد أتى تصرفا معيبا جدا، لا سبيل لمعالجته بالعتاب او الزجر أو حتى الضرب، وبالمناسبة فلم يكن جيل الآباء أو الأجداد ينحاز للزوج في حال حدوث خلاف عائلي، بل كان الطرفان يجدان الفرصة لشرح أو تبرير المواقف، وبالتالي كانت التسوية بالتراضي هي ضمان عدم حدوث ما يجدد الخلاف في بيت الزوجية. لا أذكر قط أن أبي أساء إلى أمي أو العكس، رغم أن صياحهما كان يرتفع أحياناً – غالباً حول مصروفات البيت – فالوالدة كانت تتولى إدارة ميزانية الأكل والشرب، وكان على الوالد أن يعطيها يومياً النفقات اللازمة لذلك، فتطالبه – مثلاً – بمبلغ إضافي «لأن الزيت خلصان» فيصيح: يا ولية انتي بتشربي الزيت.. من يومين اشتريتي زيت بخمسة قروش.. فتتهمه بأنه صار «مخرفاً» ويدور بينهما سجال طريف ينتهي عادة بضحكة من جانب أبي الذي كان يلتفت الينا نحن عياله قائلا كلاماً من شاكلة: أمكم مخها مش مزبوط.. فنسأله: وهل اختل مخها بعد الزواج أم كان مختلاً قبله؟ فيصيح فينا وهو يحاول أن يكتم ابتسامة تكاد أن تتحول إلى ضحكة: اسكتوا طالعين على أمكم. وكتبت من قبل عن تلك التي خلعت زوجها بعد أن ضربها لأنها رفضت أن ترقص أمام بقية أفراد عائلته، وعن الزيجة التي انهارت لأن أم العروس طالبت بدش يلتقط عدة منظومات من القنوات الفضائية، وأمامي الآن صحيفة عربية بها حكاية امرأة تطلب الطلاق من زوجها. لماذا؟ لأنه مستهبل وبلطجي واستولى على معظم ثروتها ويريد الاستيلاء على البقية الباقية منها. وأصل الحكاية أن تلك المرأة عملت لعدة سنوات في منطقة الخليج جمعت خلالها ثروة لا بأس بها، لكنها أحست بأن قطار الزواج فاتها، وسمعت بأمر رجل «سره باتع» ويستطيع أن يفك عنوستها ببعض الأحجبة والتعاويذ، فلجأت إليه واتضح فعلاً أنه متمرس في مجال فك العنوسة فقد عرض عليها الزواج وتزوجها بالفعل، ويوماً بعد يوم صار يطالبها بنفقات البيت ومصروفاته الخاصة وإذا احتجت قال لها: اعملي حسابك ده أنا بصرف على جيش من الجن ولو زعلوا منك يا ويلك وظلام ليلك. لا تحسبي أني طمعان في فلوسك! لا.. أنا باخد منك الفلوس كي أعطيها للجن عشان تبعد عنك! وهكذا استمرت المسكينة تصرف على الجن يومياً وشهراً بعد شهر حتى كادت نقودها تنفد. وذات يوم استجمعت شجاعتها وقررت إدخال الجن الذين «يكفلهم» زوجها في مواجهة مع الشرطة والقضاء. وفي المحكمة سردت وقائع زواجها بالرجل الذي يتبنى جيشاً من الجن، وكيف أن الثروة التي جمعتها خلال سنوات الغربة في الخليج طارت في الهواء. وحكم لها القضاء بالطلاق، وبعدها فقط اكتشفت تلك السيدة أن الجن الذين كان ينفق عليهم زوجها النصاب من النوع الكحيان عديم الحيلة: جن أي كلام! ولو لم يكونوا كذلك لما كسبت قضية الطلاق. [email protected]